لم تترك الأمثال العربية شيئا إلا وأحاطت به، فهي صورة لواقع ملموس، وإذا نظر المرء حوله يجد أن هناك من يراقب الناس بدافع الغيرة والحسد والأنانية والفضول، وما اجتمعت هذه الصفات بشخص إلا وأنتجت شخصا سيئا، لذلك تجد هؤلاء الناس تركوا أشغالهم وأمور حياتهم وتفرغوا لعيوب الناس يفتشون عنها، وتصرفات المرء تنبئك عن شخصيته، أكانت خيرا أم شرا، تعرف من خلالها ماهية هذا الشخص، وهذا المثل واقعي وملموس في حياتنا، ويفسر أيضا أنك ما دمت تحسب للناس حسابا لن تفعل في حياتك شيئا، ولن تجني من ذلك سوى الهم والخيبة.
وإرضاء الناس غاية لا تدرك، فما دمت مقتنعا بما تريد أن تفعله لا تلتفت للناس، وسر في طريقك الذي رسمته لنفسك متسلحا بالإيمان بالله والثقة بالنفس وستصل إلى ما تريد بإذن الله، أما مراقبة الناس للناس، فهي ظاهرة منتشرة، ومثل هذا التصرف منبوذ وممقوت، ولا يجنح لمثل هذا التصرف إلا ناقص عقل وسفيه، فليس من حقك ذلك لأنك تدخلت في خصوصيات غيرك، وأمر لا يعنيك، وجعلت الممنوع مسموحا به، خاصة أن بك من العيوب ما الله أعلم به، وتغض النظر عنها، ولو نظرنا حولنا لوجدنا كثيرا من الناس يتصفون بهذه الصفة السيئة، فما أكثر من يراقب الناس بكل شاردة وواردة، للتشفي وكأن هذا الأمر حق له.
وهؤلاء الناس يجلبون الهم لأنفسهم، وقد سئل الأحنف بن قيس عن أكثر الناس عيوبا فقال: اطلبوه عيابا فأكثر الناس عيوبا هو من يعيب الناس، وكذلك الحال في من يضع الناس في حسبانه عندما يقدم على عمل فيقدم رجلا ويؤخر رجلا، ويتردد كثيرا، وبذلك لا يحقق من طموحاته وآماله شيئا، فيظل مكانك سر، ويعود بخفي حنين، فلا تلتفت وراءك وسر إمامك وارم كلام الناس في عرض البحر، فكل إنسان واثق من نفسه لا يلتفت إلى ما يقوله الناس، بل ويجعل هذا الأمر آخر ما يفكر فيه، والأفضل لك أن تراقب الله لا الناس، والغريب حقا أن هناك أناسا يتقنون دور مراقبة الناس، ويتمادون في ذلك إلى أبعد حد، والحق أن السعيد من شغله عيبه عن التفتيش في عيوب غيره، فلنفعل ما نراه مناسبا شريطة ألا نتعدى حدود الله تعالى، روي أن الشاعر بشار بن برد صاغ بيت حكمة يقول فيه:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته
وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
فأخذ البيت تلميذه سلم الخاسر واسمه سلم بن عمرو بن حماد وحسنه ونمقه فقال:
من راقب الناس مات هما
وفاز باللذة الجسور
فمات بيت بشار ودوت شهرة بيت سلم الخاسر حتى يومنا هذا، فيا أيها الرجل وكلنا هذا الرجل لا تظلم نفسك بمراقبة غيرك، ولا تكن سطحيا في تفكيرك، فتضيع وقتك فيما لا فائدة منه، وكن واقعيا وصادقا مع نفسك ودع الخلق للخالق، ولا توقع نفسك في هذا الفخ، وإذا عزمت على فعل شيء فتوكل على الله فهو حسبك ودمتم سالمين.