من هو أنا؟ هذا هو السؤال الذي لا يطرحه أحد، رغم أنه أهم سؤال في حياتنا نحن البشر، نحن خليط من أشياء بعضها قد يكون معروفا، لكن الكثير منها مجهول حتى لأنفسنا.
أذهاننا مليئة بالزوايا المدفونة في غياهب النسيان المتعمد، وأرواحنا مليئة أيضا بكتب غطى عليها رداء الإنكار، لكن الحقيقة دائما ما تفضح نفسها إذ إن الراحة الداخلية لنا تستدعي أن نتوقف عند محطات في أزماننا لكي نفتح صفحات الدفاتر والكشاكيل، ونلقي نظرات على المرافئ التي رسونا فيها لكي نصل إلى المحطة التي تعتبر نقطة الالتقاء مع الحقيقة التي نجري وراءها وسط هذه الغابة التي نضل فيها حينا ونصل إلى مقاصدنا من خلالها حينا آخر.
اسألك أيها الإنسان هل من الصعب أن يخلع الإنسان عن ذهنه وروحه الرداء المصطنع الذي يسميه (النقاء/ الطهارة) وينفتح على داخله في رحلته الوجودية ومبتغاه الأهم.
للأسف فإن الإنسان يتعامى ويتغاضى عن حقائق ذاته وعاداته وأفكاره ومشاعره وما يحمله ذلك كله من التضاد والجهل والغموض بل وما قد يصل به الأمر إلى تناقض وتضليل.
أستذكر هنا كلمة سامية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول فيها «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا».
وهذه هي أكبر حقيقة في حياتنا.
فإن بني الإنسان معتادون على الاستكبار والاستعلاء ويتخذون من الإنكار سبيلا نحو ما يريدون تبريره في حياتهم، ولذلك فإن معظم الناس يكونون في حياتهم ومواقفهم أشبه ما يكونون بالنيام، والنائم لا يشعر بما حوله ولا يدرك في أي موقع أو عالم هو، وهذا النوم يفقده الوقت والإحساس بالزمن والاستفادة من كثير مما يستطيع فعله من خلال التفاعل الإيجابي مع الوقت والزمن وتتلاشى إرادته ويتناقص وعيه.
إن النوم ليس هنا لمرور الزمن استدعاء للراحة، بل إن النوم الذي يقصده الإمام هو تضييع وهدر للتفاعل الإنساني الذي من شأنه تطوير الحياة في كل جوانبها.
ومشكلة هذا النوم أنه لا انتباه ولا يقظة منه، لأنه غفلة مطبقة منشؤها الغرور والاغترار بالملذات والاعتداد بالذات ونسيان لطبيعة الدنيا التي هي محطة وليست منزلا مستقرا.
فالقيام من نوم الغفلة لا يكون إلا بعد فوات الأوان والخروج من الدنيا، حيث يكون العمل إلى الآخرة، حيث لا ينفع الندم ولا يستقيم فيه عمل، وعندئذ يصبح الجواب عن سؤال «من هو أنا؟» غير نافع ويكون الأوان قد فات.