قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني إن الاقتصاد الكويتي أظهر إشارات إيجابية في الربع الثاني وبداية الربع الثالث من العام الحالي، على الرغم من تزايد الرياح المعاكسة التي تهدد آفاق نمو الاقتصاد العالمي في ظل ارتفاع التضخم وتشديد السياسات النقدية والحرب في أوكرانيا.
وأوضح التقرير أن قطاع النفط يواصل لعب دور جوهري في دفع نمو الاقتصاد الكويتي وسط تزايد إنتاج النفط وارتفاع أسعاره في الربع الثاني من العام بالرغم تراجع الأسعار مجددا في يوليو نظرا لتزايد مخاوف ضعف نمو الاقتصاد العالمي.
كما أن المؤشرات الرئيسية للنشاط غير النفطي مشجعة، إذ وصلت المبيعات العقارية إلى مستوى قياسي في الربع الثاني من العام، ووصل الإقراض المصرفي لأعلى مستوياته المسجلة في 13 عاما في مايو، كما كان الإنفاق الاستهلاكي قويا، إذ ساهمت المنحة المالية التي صرفتها الحكومة للمتقاعدين في يونيو الماضي في تعزيزه.
أشار تقرير «الوطني» إلى أن الانتعاش الملحوظ الذي شهدته أسعار النفط وارتفاعها من أدنى المستويات خلال الجائحة، أدى إلى تعزيز أوضاع المالية العامة للكويت، ووفقا لبعض التقارير الصحافية، سجلت الموازنة العامة عجزا ماليا قدره 3.6 مليارات دينار فقط للسنة المالية 2021/ 2022 (ما يعادل 8.5% من تقديرات الناتج المحلي الإجمالي). وقد ساهم ذلك في الحد من ضغوط السيولة التي تعرضت لها الميزانية في الفترة السابقة، إلا أن تحسن الأوضاع المالية وارتفاع أسعار النفط منذ بداية السنة المالية 2022/ 2023 أدى إلى تزايد الدعوات لزيادة الإنفاق.
كما رفعت لجنة الميزانيات والحساب الختامي البرلمانية السعر المفترض لبرميل النفط في الميزانية الحالية إلى 80 دولارا للبرميل مقابل 65 دولارا للبرميل في الموازنة التقديرية في يناير الماضي، ما أدى إلى ارتفاع فائض الميزانية المتوقع إلى 0.3 مليار دينار.
ووفقا لتقديرات «الوطني» التي تشير إلى وصول أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل، نتوقع تسجيل فائضا قدره 4.8 مليارات دينار (8.8% من الناتج المحلي الإجمالي)، والذي يعتبر أول فائض مالي تسجله الحكومة منذ عام 2014.
كما تركز الحكومة أيضا على إعادة رسملة صندوق الاحتياطي العام، الذي كان على وشك النضوب بالكامل بعد أن بلغت قيمة السحوبات التراكمية من الصندوق قرابة 19.8 مليار دينار على مدى السنوات الأربع الماضية (السنة المالية 2017 /2018 للسنة المالية 2020 /2021).
ووصل صافي أصول الصندوق إلى 5.6 مليارات دينار بنهاية السنة المالية 2020 /2021، وتشير التقارير لزيادة الاحتياطيات النقدية منذ ذلك الحين، وفقا لوسائل الإعلام المحلية، كما ساهم سداد نحو 0.5 مليار دينار من الأرباح المحتجزة لمؤسسة البترول (كجزء من الآلية المتفق عليها لسداد مبلغ إجمالي معلن قدره 7 مليارات دينار) في تعزيز سيولة الصندوق.
تجاوز النشاط العقاري في الربع الثاني من عام 2022 المستويات المسجلة في الربع السابق، إذ وصل إجمالي المبيعات لأعلى مستوياته في عدة سنوات بنحو 1088 مليون دينار مقابل 891 مليون دينار في الربع السابق. ووصلت المبيعات التراكمية للنصف الأول من العام 1.98 مليار دينار (+11% على أساس سنوي). وارتفع الطلب على عقارات القطاعين الاستثماري والتجاري بشكل كبير متفوقا على طلب الوحدات السكنية الذي كان قويا في عام 2021.
وقد يكون تحسن بيئة الأعمال في مرحلة ما بعد الجائحة والتقييمات الجذابة من العوامل التي ساهمت في تعزيز ذلك الارتفاع، في حين أن ارتفاع أسعار العقارات السكنية الناجم عن تزايد تكاليف البناء قد أدى على الأرجح إلى كبح جماح الطلب على مستوى هذا القطاع. وقد تسهم التعديلات التشريعية المقترحة والتي تقضي بتوسيع نطاق الاستفادة من المساحات السكنية (في محاولة للتخفيف من النقص المتزايد للوحدات السكنية) بعض الدعم لتعزيز جاذبية هذا النوع من العقارات في المستقبل على الرغم من إمكانية ارتفاع الأسعار في الوقت نفسه.
بقي مؤشر أسعار المستهلكين مرتفعا في الربع الثاني من العام، إذ بلغ 4.4% على أساس سنوي في يونيو، دون ان يشهد تغيرا يذكر عن المستويات المسجلة في مارس، وذلك على الرغم من تراجعه مقارنة ببيانات شهري أبريل ومايو. ولا تزال فئة المواد الغذائية هي المحرك الرئيسي للتضخم، إذ ارتفعت بنسبة 8.0% على أساس سنوي في يونيو مقابل 7.2% في مارس، ما يعكس في الغالب الاتجاهات التي اتخذتها أسعار المواد الغذائية العالمية. وفي ذات الوقت، استقر معدل تضخم أسعار خدمات المسكن (الإيجارات) في الغالب خلال الربع الثاني من العام عند مستوى 2.2%، مع هدوء وتيرة الاتجاه المتسارع الذي شهدناه خلال النصف الثاني من عام 2021. كما تراجع معدل التضخم الأساسي، الذي يستثني المواد الغذائية والسكن، خلال الربع الثاني من العام ليصل إلى 4.5% بحلول يونيو. وضمن التضخم الأساسي، كانت الزيادات السنوية للأسعار هي الأسرع لفئات التعليم (+19% على أساس سنوي) والملابس والأحذية (+6%)، في حين تراوح معدل ارتفاع الفئات الأخرى في نطاق 2 الى 4%.
وعلى الرغم من أن معدلات التضخم ما زالت مرتفعة مقارنة بالسنوات السابقة، إلا ان وتيرة الارتفاع بدأت في التباطؤ خلال الأشهر الأخيرة، وبالفعل لم تشهد معدلات التضخم الأساسي او الكلي تغيرات تذكر مقارنة بمستويات نهاية عام 2021. كما تجدر الإشارة إلى أن الضغوط التضخمية ما زالت أكثر تركيزا في عدد محدود من المكونات الفرعية لمؤشر أسعار المستهلكين بما في ذلك المواد الغذائية والتعليم كما أسلفنا الذكر. كما أن أسعار معظم القطاعات الأخرى ترتفع بوتيرة أكثر بطئا. ويسهم هذان العاملان في دعم فرضية أن التضخم قد بلغ ذروته بالفعل (أو يقترب من الذروة)، طالما أن الارتفاع المتسارع الذي شهدته فئتا المواد الغذائية والتعليم لن يستمر، كما توقعنا، وكذلك في ظل عدم تفاقم معدلات تضخم الإيجارات السكنية. من جهة أخرى، فان تشديد السياسة النقدية وقوة الدينار الكويتي (المرتبط بقوة الدولار الأميركي، ما يسهم في خفض أسعار الواردات) وإمكانية تراجع حدة اضطرابات سلاسل التوريد العالمية تدريجيا قد يؤدي لكبح الضغوط التضخمية مستقبلا. ونتوقع أن يبلغ معدل التضخم 4.3% في المتوسط في عام 2022، مقابل 3.4% العام الماضي، على أن يتراجع في عام 2023.
بعد المكاسب القوية التي شهدتها الأسهم الكويتية في الربع الأول من عام 2022 على خلفية ارتفاع أسعار النفط وتحسن آفاق النمو الاقتصادي، عادت مجددا للتراجع، مثل نظيراتها الخليجية، خلال الربع الثاني من عام 2022 (تراجع مؤشر مورغان ستانلي الخليجي بنسبة -14% على أساس ربع سنوي)، إذ امتد تهديد المخاطر العالمية ليؤثر سلبا على اقتصادات المنطقة. كما تأثرت ثقة المستثمرين بسبب ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة، والمخاوف بشأن تباطؤ النمو العالمي، ما أثر بشكل كبير على أسعار النفط، التي تعتبر العامل الرئيسي المحفز لنمو الأسهم الخليجية.
وكانت عمليات جني الأرباح بعد الربع الأول من العام من أبرز العوامل التي ساهمت في ذلك أيضا، إلا ان المعنويات شهدت انتعاشا جزئيا في يوليو، وسط آمال ببلوغ الضغوط التضخمية العالمية ذروتها واحتمال انخفاض حدة تشديد السياسة النقدية العالمية. وخسر مؤشر السوق العام لبورصة الكويت 9% من قيمته على أساس ربع سنوي لينهي تداولاته مغلقا عند مستوى 7.409 نقاط بنهاية يونيو، على الرغم من ارتفاعه بنسبة 4.2% في يوليو. وتراجعت القيمة السوقية في الربع الثاني من العام إلى 43.6 مليار دينار مقارنة بأعلى مستوياتها على الإطلاق التي قاربت نحو 50 مليار دينار مطلع شهر مايو، بينما تباطأت قيمة التداولات إلى أدنى مستوياتها المسجلة في 9 أشهر، وصولا إلى 53.6 مليون دينار يوميا في يونيو. وعلى الرغم من أن الخسائر كانت واسعة النطاق، إلا أن قطاعات السلع الاستهلاكية (-26%) والخدمات المالية (-17%) والعقار (-14%) شهدت أعلى معدلات تراجع في الربع الثاني من العام. وارتفع صافي التدفقات الأجنبية الوافدة إلى 221 مليون دينار خلال الربع، بينما واصل المستثمرون الكويتيون الاحتفاظ بمراكزهم كصافي بائعين.
تراجع إسناد المشاريع في الربع الثاني إلى 156 مليون دينار فقط
قال تقرير «الوطني» إن أنشطة إسناد المشاريع في الكويت تراجعت بحدة في الربع الثاني من العام الحالي، وفقا للبيانات الصادرة عن مجلة «MEED» للمشاريع. وانخفضت القيمة الإجمالية للمشاريع المسندة بنسبة 55% على أساس ربع سنوي لتصل إلى 156 مليون دينار. وساهم مشروع واحد فقط وهو حزمة البنية التحتية لمنطقة الشدادية الصناعية التابع للهيئة العامة للصناعة بأكثر من نصف تلك القيمة، إذ بلغت قيمة العقد 84 مليون دينار.
وقد جاءت تلك الأرقام أقل من تقديرات MEED التي توقعت إسناد مشاريع بنحو مليار دولار في الربع الثاني، وقد يرجع ذلك للتأخير المستمر في الحصول على الموافقات (وهو الأمر الذي ربما تفاقم مع استقالة الحكومة)، وارتفاع تكاليف التوريد. وتتوقع مجلة «MEED» إسناد مشاريع بقيمة تصل إلى 3.1 مليارات دينار هذا العام مقابل 1.5 مليار دينار في عام 2021، إلا أن تلك التوقعات تبدو مستبعدة حاليا.
الإقراض المصرفي الأعلى في 13 عاماً
ذكر التقرير أن نشاط الائتمان المحلي تعزز خلال العام الحالي وتسارعت وتيرة النمو على أساس شهري حتى مايو، إذ بلغ معدل النمو السنوي 11.1% على أساس سنوي، فيما يعد أسرع وتيرة نمو منذ 13 عاما، قبل أن يتراجع قليلا إلى 9.6% في يونيو.
وتعافى الإقراض المقدم لقطاع الأعمال هذا العام (+6.2% في يونيو)، وزادت مساهمته في إجمالي نمو الائتمان على خلفية استفادة الشركات من عودة أنشطة الأعمال لطبيعتها بعد الجائحة، وقوة الطلب الاستهلاكي ما دعم الخطط التوسعية والتنموية عن طريق تمويل المشاريع.
وعلى الرغم من تفوق معدلات نمو الإقراض المقدم لقطاعي النفط والغاز والصناعة العام الماضي، إلا أن التمويل العقاري، الذي يعد أكبر مكونات ائتمان قطاع الأعمال من حيث الحجم (42%)، يواصل الانتعاش. كما يكتسب الائتمان المقدم للقطاعين التجاري والبناء والتشييد زخما.