الانفتاح العلمي ليس شيئا يمكن اصطناعه وحسب، كما أنه ليس شيئا يعتمد فقط على الفكر المجرد وحسب، بل إنه خلق كريم يلتزم به من يمتلك خصلتين، الأولى: أن يكون إنسانا أخلاقيا ومنصفا وعادلا وخيرا، لأنه من الأساس ما لم تكن إنسانا قبل كل شيء لا يمكنك الوصول إلى حقيقة القيم وحقيقة الدين والاقتراب منه، وإذا اقترب أحد من الدين، وهو ليس إنسانا، فإن هذا النقص في الإنسانية سيضر بفهمه للدين وستنحرف ممارسته للدين وأفعاله تجاه الدين.
والثانية: أن يكون جامعا لمعرفة عميقة بحقائق الدين، ومعرفة بالتاريخ ومعرفة واقع المجتمع المعاصر، ومن هنا فإنه إذا وضع عالم الدين في منهجه العلمي هذه المعارف الثلاث في مسارات يتعاضد فيها كل جزء من هذه المعارف الثلاث مع المعرفتين الأخريين فإنه سيصل إلى نتائج أكثر دقة حول الحقيقة الدينية وتجلياتها، وهي بالتالي ستسهم بشكل رئيسي في تكييف أصول الدين مع واقع المجتمع المعاصر، ومن خلال تحليل صحيح للتاريخ لأن هذه المعارف الثلاث جميعها تخلق ينبوعا متدفقا من محطات معرفية تجيب على الراهنيات التي تهم الفرد والمجتمع ما دامت كلها تعمل في مسار واحد متكامل من حيث المنهجية وعندئذ سيحدث تحول كبير في عمق فقهنا.
إننا نحلل الدين دون النظر إلى التاريخ والمجتمع المعاصر، ونحلل التاريخ دون فهم أهداف ومجالات الدين واحتياجات المجتمع المعاصر، ونحلل المجتمع المعاصر بدون فهم الدين والتاريخ، لذلك نفشل في الثلاثة.
من هنا يبدو واضحا جليا أن حركتنا نحو تجليات القيم الدينية إذا كانت حقيقية لا خطابية وعميقة لا سطحية وشاملة لا قاصرة على مجال واحد فقط، ومستمرة لا مؤقتة، فإن مسار التاريخ وخط سير المسلمين سيتغير تغيرا بناء وهائلا.