قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، إن الأسواق شهدت أداء ضعيفا إلى حد ما قبل خطاب رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في أول اجتماع ينعقد بشكل شخصي لمحافظي البنوك المركزية العالمية منذ بداية الجائحة.
واختتم باول خطابه في جاكسون هول بقوله: «يجب أن نواصل مسيرتنا حتى نتأكد من إنجاز المهمة»، وقد ألقى رسالته الأكثر تشددا حتى الآن بشأن تصميم البنك المركزي الأميركي على كبح جماح التضخم المتصاعد عن طريق رفع أسعار الفائدة.
وكشف حديثه عن حاجة الاقتصاد الأميركي لسياسة نقدية متشددة «لبعض الوقت» قبل أن تتم السيطرة على التضخم، وهي حقيقة تعني تباطؤ وتيرة النمو وضعف سوق العمل و«بعض الألم» للأسر والشركات.
وقال باول إن خفض التضخم قد يؤدي إلى تحقيق فترة مستدامة من النمو دون مستويات الاتجاه العام وتوقع أنه من المحتمل جدا أن يحدث بعض التباطؤ في ظروف سوق العمل. وتابع: «هذه هي التكاليف المؤسفة لخفض التضخم.
لكن الفشل في استعادة استقرار الأسعار سيعني ألماً أكبر بكثير».
وتهدف تلك التصريحات إلى تبديد الشكوك حول عزم الاحتياطي الفيدرالي مواصلة كبح التضخم بعد البدء في تطبيق أشد السياسات النقدية منذ عام 1981. وقال باول: «نتخذ خطوات قوية وسريعة لتعديل الطلب بحيث يتماشى بشكل أفضل مع العرض، ولإبقاء توقعات التضخم ثابتة».
كما صرح باول بأنه مع تزايد تلك الآلام، لا ينبغي أن تتجه التوقعات نحو تراجع الاحتياطي الفيدرالي عن سياساته المتشددة بوتيرة سريعة إلى أن يتم إصلاح مشكلة التضخم.
ويتوقع بعض المستثمرين أن يتجه الاحتياطي الفيدرالي إلى تيسير سياساته النقدية إذا ارتفعت معدلات البطالة بسرعة كبيرة، مع توقع البعض خفض أسعار الفائدة العام المقبل، وهي توقعات عارضها مسؤولو البنك المركزي الأميركي بشدة على مدار الأسابيع الأخيرة.
رفع أسعار الفائدة
وعلى النقيض من ذلك، أشار بعض صانعي السياسة إلى أن الركود لن يثنيهم إذا لم تتجه الأسعار بشكل مقنع إلى مستوى 2% الذي يستهدف مجلس الاحتياطي الفيدرالي الوصول إليه.
هذا ولم يصدر عن باول يوم الجمعة ما يشير إلى المدى الذي سيصل إليه رفع أسعار الفائدة قبل وصول الاحتياطي الفيدرالي إلى هدفه، ولكنه أشار فقط إلى أنه سيتم رفعها وفقا لما تقتضيه الحاجة.
وكان خطاب باول متناقضا مع الرسالة التي ألقاها خلال ندوة العام الماضي، عندما توقع أن ارتفاع أسعار المستهلكين لا يتعدى كونه ظاهرة عابرة نتجت عن القضايا المتعلقة بسلسلة التوريد.
وأصبح من الواضح منذ ذلك الحين أن التضخم مدفوع بالطلب وبالتالي من المرجح أن يستمر لفترة أطول.
وخلال الشهر الماضي، رفع البنك الفيدرالي سعر الفائدة بمعدل 0.75 نقطة مئوية للمرة الثانية على التوالي. ويناقش مسؤولو الفيدرالي مدى حاجتهم لتطبيق زيادة ثالثة بنفس الحجم في الاجتماع المقرر عقده في سبتمبر المقبل، أو ما إذا كان ينبغي عليهم رفع سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية بدلا من ذلك.
وكانت توقعات الأسواق قريبة من ترجيح مناصفة ما بين رفعها بمقدار 50 و75 نقطة أساس في سبتمبر، إلا أن التوجهات التي كانت منحازة قليلا نحو رفعها بمقدار 50 نقطة أساس قبل خطاب باول تحولت الآن لدعم رفعها بمقدار 75 نقطة أساس.
وصرح باول بأنه في وقت ما سيكون من المناسب إبطاء وتيرة رفع أسعار الفائدة، لكنه لم يلتفت إلى البيانات الأخيرة التي كشفت عن تراجع التضخم هامشيا واعتبرها غير كافية، مضيفا أن تحسن شهر واحد أقل بكثير مما ستحتاج اللجنة رؤيته قبل أن نتأكد من انخفاض التضخم.
اقتصاد مرن
لم تشهد طلبيات السلع المعمرة في الولايات المتحدة تغيرا يذكر في يوليو الماضي، لتكسر بذلك اتجاه النمو الذي شهدته على مدار أربعة أشهر متتالية، وذلك على الرغم من أن الرقم الأساسي الذي يستثني القطاعات المتقلبة مثل النقل والدفاع شهد نموا بنسبة 0.3%.
كما كشف التقرير الصادر عن وزارة التجارة عن تسجيل شحنات السلع الأساسية لنمو قوي بنسبة 0.7%. وقد تعمل تلك البيانات على تهدئة المخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد حيث يواجه المصنعون تأثير ارتفاع أسعار الفائدة ومعدلات التضخم.
إلا أنه وبعد صدور بيانات مبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي في وقت سابق من الشهر الجاري، أضاف تقرير طلبيات السلع المعمرة إلى البيانات التي أكدت مرونة الاقتصاد.
وأظهر تقرير منفصل أنه على ما يبدو بدأ النشاط الاقتصادي في التباطؤ، حيث جاءت بيانات مؤشر مديري المشتريات لقطاعي الصناعة والخدمات أقل من التوقعات.
إذ بلغت قراءة مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات 44.1 في أغسطس وخالفت التوقعات التي اشارت إلى وصول قراءة المؤشر إلى 49.8. وبالمثل، بلغت قراءة مؤشر مديري المشتريات لقطاع الصناعة 51.3، في حين أشارت التوقعات إلى وصولها إلى 51.8. بالإضافة إلى ذلك، جاءت كلتا القراءتين أقل من مستويات يوليو.
«المركزي» الأوروبي
صدر محضر اجتماع البنك المركزي الأوروبي لشهر يوليو يوم الخميس الماضي ليكشف النقاب عن تزايد مخاوف صانعي السياسات في البنك من أن التضخم المرتفع قد ترسخ بالفعل.
وكان المركزي الأوروبي قد رفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس لتصل إلى الصفر الشهر الماضي. وقد فاجأ ذلك المستثمرين بعد أن أشارت توجهات البنك المركزي إلى رفعها بمستويات أقل، إلا أن محضر الاجتماع كشف عن شعور صانعي السياسة بالمزيد من الضغوط بما يكفي لإظهار عزمه على اتخاذ خطوات أكثر تشددا.
وأشار محضر الاجتماع إلى أن «عددا كبيرا جدا من الأعضاء» اتفقوا على أنه من المناسب رفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس. وقد تم النظر إلى الارتفاع بمقدار 50 نقطة أساس على أنه «مبرر في ضوء تدهور توقعات التضخم منذ اجتماع يونيو الماضي».
وجادل «بعض الأعضاء» لصالح رفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس لأن هذه كانت «الخطوة المستهدفة التي تمت الإشارة إليها سابقا» في اجتماع يونيو.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه مع تزايد مخاطر الركود، كان رفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس ينظر إليه باعتباره أكثر تماشيا مع «التطبيع التدريجي للسياسة النقدية».
كما حذر من أن الانحراف عن التوجيهات السابقة من شأنه أن «يزيد من حالة عدم اليقين السائدة في السوق». لكن البعض قال أيضا إن رفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس ساهم في توفير المزيد من الوضوح للأسواق.
تراجع الأنشطة في «اليورو»
كشف مؤشر ستاندرد آند بورز جلوبال لمديري المشتريات أن النشاط التجاري في منطقة اليورو قد عانى من أكبر انكماش له منذ 18 شهرا نتيجة لارتفاع الأسعار وتراجع الطلب وارتفاع مخزونات السلع غير المباعة، ما زاد من مخاوف دفع الاقتصاد إلى ركود وشيك.
وانخفض مؤشر مديري المشتريات المركب بمقدار 0.7 نقطة إلى 49.2، فيما يعد أدنى مستوياته المسجلة منذ فبراير 2021، كما يعتبر هذا هو الشهر الثاني على التوالي الذي يتراجع فيه دون حاجز 50 الحاسمة التي تفصل بين النمو والانكماش.
في المقابل، ارتفع مؤشر مديري المشتريات للقطاع التصنيعي قليلا في أغسطس لكنه ظل في منطقة الانكماش بوصوله إلى 46.5. وتواصل الطلبات الجديدة تراجعها، هذا إلى جانب التراكم الشديد في المخزونات، ما يعكس ضغوط الطلب الذي يشهده اقتصاد منطقة اليورو في الوقت الحالي.
كما انخفض مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات بوتيرة سريعة في أغسطس إلى مستوى يشير إلى ركود أنشطة القطاع بوصول قراءة المؤشر إلى 50.2.
هذا إلى جانب ضعف وتيرة الطلب على قطاع الخدمات مع التلاشي السريع لانتعاش ما بعد الجائحة في الإنفاق الاستهلاكي على الخدمات.