تحولت احياء المنطقة الخضراء ومحيطها في العاصمة العراقية بغداد، الى ساحة حرب حقيقية استخدمت فيها الاسلحة المتوسطة والخفيفة، ومعها تحولت الاحتجاجات السلمية التي بدأها انصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر رفضا لاعلانه اعتزال الحياة السياسية، الى حرب شوارع مع خصومه في "الاطار التنسيقي الشيعي" و"الحشد الشعبي" المدعومان من ايران في أسوأ ترجمة ميدانية للأزمة السياسية التي تشل الحياة العراقية منذ الانتخابات التشريعية في اكتوبر الماضي.
وعلى وقع اطلاق النار الكثيف واصوات قذائل ال "ار بي جي"، كشف حسن العذاري المقرب من الصدر، أن زعيم التيار الصدري أعلن إضرابا عن الطعام حتى يتوقف العنف.
وقال العذاري القيادي في التيار في تغريدة له على حسابه الشخصى على موقع التواصل الاجتماعي في تويتر،إن الصدر " أعلن إضراباً عن الطعام حتى يتوقف العنف واستعمال السلاح".
وأضاف أن "إزالة الفاسدين لا تعطي أحداً مهما كان مسوغاً لاستعمال العنف من جميع الأطراف" .
وارتفع عدد القتلى إلى اكثر من 12 واضعافهم من الجرحى مع استمر اطلاق النار والانفجارات حتى ساعات متقدمة من الليل، وأفادت تقارير اعلامية ووأظهرت تسجيلات مصورة جرى تداولها على مواقع التواصل انهيارا شبه كامل للوضع الامني في المنطقة الخضراء، لأول مرة منذ عقود. وسمعت اصوات انفجارات عنيفة وأصوات إطلاق نار كثيف، فيما افيد عن اطلاق صفارات الانذار في السفارة الاميركية داخل المنطقة المحصنة بعد سقوط قذيفة هاون بقربها.
وقالت وكالة الأنباء الالمانية "د.ب.أ" ان مسلحين استهدفوا مقر الدائرة الإعلامية للحشد الشعبي بقذيفة صاروخية في حي شارع فلسطين شرقي بغداد. وشهدت مناطق متفرقة في العراق انتشار كثيفا لقوات سرايا السلام التابعة
للتيار الصدري فيما قامت الأحزاب الشيعية المنافسة والمنضوية ضمن "الاطار التنسيقي" بتأمين الحماية لمقارها تحسبا لأي هجوم صدري.
وبدأت الاحتجاجات ، فور اعلان الصدر اعتزاله الحياة السياسية. واقتحم انصاره القصر الجمهوري والمقر الحكومي في المنطقة الخضراء وتحولت لاحقا الى اشتباكات دامية.
وولم يفلح اعلان السلطات العراقية حظر التجول في بغداد وجميع المحافظات في التخفيف من حدة الاشتباكات. وقال شهود من رويترز إنه مع تردد دوي إطلاق النار في العاصمة شوهد بعض الناس يطلقون نيران بنادقهم على صفوف أنصار الصدر بينما أطلق آخرون النار في الهواء. وقال كاظم هيثم أحد أنصار الصدر "جاء الموالون (لإيران) وأحرقوا خيام الصدريين وهاجموا المتظاهرين"، بينما أنحت الجماعات الموالية لإيران باللوم على الصدريين في الاشتباكات ونفت إطلاق النار على أحد.
وكان الصدر قد أعلن في وقت سابق انسحابه من السياسة أو الحكومة وحل الفصائل الموالية له واغلاق مكاتبه كما افيد عن اغلاق العديد من الصفحات التابعة للتيار الصدري على مواقع التواصل، لكنه قال إن المؤسسات الثقافية والدينية ستبقى مفتوحة. وهو مايزال يحتفظ بنفوذ واسع داخل مؤسسات الدولة وما زال لديه فصيل مسلح يقدّر عدد أعضائه بعدة آلاف.
وغالبا ما كان يعود الصدر إلى نشاطه السياسي بعد إعلانات مماثلة، على الرغم من أن الأزمة السياسية الحالية في العراق يبدو أنها عصية على الحل حيث اصبح العراق بدون حكومة لأطول فترة في تاريخه.
وبعد اجتياح القصر الحكومي، علق رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي اجتماعات مجلس الوزراء "حتى إشعار آخر"، ودعا إلى اجتماع أمني طارئ في مقر القيادة العسكرية، بعد أن دعا مقتدى الصدر إلى "التدخل بتوجيه المتظاهرين للانسحاب من المؤسسات الحكومية". وأعلن انه وجه بفتح تحقيق عاجل بشأن الأحداث وإطلاق النار على المتظاهرين.
في المقابل، دعا الإطار التنسيقي التيار الصدري إلى العودةِ إلى طاولة الحوار والعمل من أجل الوصول إلى تفاهماتٍ مشتركة.
على صعيد ردود الأفعال، دعت بعثة الأمم المتحدة في العراق، ومقرها داخل المنطقة الخضراء، المتظاهرين إلى مغادرة المنطقة، وحثت جميع الأطراف على الالتزام "بأقصى درجات ضبط النفس".
ووصفت البعثة الوضع بأنه "تصعيد شديد الخطورة"، محذرة من أن "بقاء الدولة نفسها بات على المحك".
ووصف البيت الأبيض الوضع بأنه "مقلق" ودعا إلى الهدوء والحوار.
ولم تقتصر المواجهات على بغداد حيث انتقلت إلى مناطق أخرى، حيث سيطر انصار الصدر في محافظة ذي قار في جنوب العراق، على كامل مبنى ديوان المحافظة الواقع في مدينة الناصرية.
وأفادت وكالة فرانس برس وشهود أن أنصار الصدر رفعوا لافتة كبيرة على البوابة الرئيسية للمبنى كتب عليها "مغلق من قبل ثوار عاشوراء". كما اقتحم آخرون مقار حكومية.
وقال عضو مجلس شركة نفط ذي قار ثائر الاسماعيلي لوكالة فرانس برس إن المتظاهرين الصدريين "قاموا بغلق منشآت نفطية في المحافظة ووضعوا لافتات على البوابات كتب عليها: مغلق بأمر ثوار عاشوراء".
وفي محافظة بابل جنوب بغداد، أكد شهود لفرانس برس أن متظاهرين من أنصار التيار الصدري سيطروا على مبنى المحافظة في مدينة الحلة. وقطع آخرون الطرق الرئيسية آلتي تربط مدينة الحلة، مركز المحافظة، بالعاصمة بغداد وباقي المحافظات الجنوبية.
ويقول حمزة حداد، الباحث الضيف في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية (ECFR) إن إعلانه "ليس واضحًا تمامًا". ويضيف في تصريح لوكالة فرانس برس "بناء على مواقفه السابقة، يمكننا ان نتوقع منه التراجع (لكن) وهذا أكثر ما يخيف، قد يدعو هذا للاعتقاد بأنه يعطي أتباعه الضوء الأخضر لفعل ما يشاؤون، بقوله إنه لم يعد مسؤولاً عن أفعالهم".
من جانبه، قال الخبير الأمني والاستراتيجي فاضل ابو رغيف لوكالة فرانس برس، ردا على سؤال عن هدف التيار الصدري، إن "الهدف هو إرغام الزعامات السياسية التي تمسك سلطة البرلمان والحكومة على حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة".
ورأى أن "العراق ذاهب الى مزيد من الانسداد والاحتقان". مع ذلك، استبعد الخبير وقوع نزاع مسلح ، قائلا "لا أعتقد ان الأمور تصل الى حد الاقتتال وسفك الدماء " بين الاحزاب الشيعية.