- العنزي: الاختلاف يحدث نتيجة لعدم الالتزام بأدب الإسلام في الحوار والخلاف
- العصيمي: هناك اختلاف محمود وآخر مذموم والواجب الرفق مع من اختلفت معه
- الملا: مطلوب العدل والإنصاف مع المخالف بذكر ما له من حسنات وإنكار ما عليه من مخالفات
- المهيني: المطلوب تعلّم فقه التعامل مع الاختلاف حتى لا تقع الأمة في الفرقة والانشقاق
ما ضوابط تعدد الآراء والاجتهادات الفقهية بين العلماء واجتهاداتهم في الأحكام الشرعية فهل اختلاف الفقهاء وعلماء الأمة رحمة؟ ومتى يكون نقمة؟ هذا ما نتعرف عليه من خلال هذه السطور:
أدب الإسلام
يرى د.سعد العنزي أن ضوابط الاختلاف كثيرة والاختلاف نتيجة لعدم الالتزام بأدب الإسلام في الحوار والخلاف، ومن أفضل ما كتب في هذا د.طه العلواني، حيث ذكر مجموعة من الضوابط أهمها رد الاختلاف لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله جل وعلا: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول)، ثانيا: اتباع منهج الوسطية، قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، ثالثا: التفريق بين القطع والظن في الأدلة، والتركيز على المحكمات لا المتشابهات، رابعا: تجنب القطع في المسائل الاجتهادية، خامسا: فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج الى معرفة أصل الخلاف بين العلماء وأدلة كل فريق، سادسا: أعمال القلب مقدمة على أعمال الجوارح، فالإخلاص مقدم على غيره، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم وصوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»، سابعا: الاهتمام بهموم المسلمين ضرورة شرعية، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.
ثامنا: التعاون في المتفق عليه، فمشكلة الأمة الإسلامية اليوم ليست في ترجيح أحد الرأيين في القضايا المختلف فيها، ولكن مشكلة الأمة في تضييع الأمور المتفق عليها.
الخلاف نوعان
من جهته، قال د.محمد ضاوي العصيمي: إن من سنن الله عز وجل الكونية هي وقوع الاختلاف ووجوده، فالله عز وجل منذ ان خلق الخليقة والخلاف واقع كما قال سبحانه: (ولا يزالون مختلفين) وهذا الاختلاف والتفرق أمر كائن لا محالة، لكنه وإن كان واقعا إلا اننا مأمورون بمدافعته وتركه، فالله عز وجل نعم أوجد الخلاف ولكن أمر أيضا ببذل الأسباب التي تعين على رفع هذا الخلاف والتقليل منه ومنعه، كما قال الله عز وجل في آية أخرى: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا)، فهذه الآية فيها دليل على ان الجدل واقع وهي صفة الإنسان، ولكن مع ذلك أمر الله عز وجل بترك الجدل، وقال عز وجل: (وكان الإنسان عجولا) فالعجلة أيضا واقعة ولكننا مأمورون بمدافعة العجلة، وهذا الاختلاف من أعظم ما يطمع فيه الشيطان وللأسف انه وقع في كثير من أمورنا الدينية والدنيوية ولا سبيل لدفع هذا الاختلاف إلا بالعمل بضده وهو الاجتماع وعدم التفرق، قال الله عز وجل: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)، وقال عز وجل: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، وقال: (ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا).
وبين د.العصيمي ان الخلاف على نوعين: النوع الأول: اختلاف محمود وهو ما كان لأجل الله عز وجل ولأجل دين الله مثل مخالفة أصحاب الملل المنحرفة والفرق الباطلة والأقوال الشاذة، فهذا الاختلاف مع هؤلاء أمر تمليه الشريعة وتأمر به لأنه مبني على الدين ومبني على الحق وطلبه ومبني على مخالفة أهل الباطل.
أما النوع الثاني: فهو الاختلاف المذموم وهو الذي يسع فيه الخلاف ويعذر فيه كل من المتخالفين الآخر لأن منشأ هذا الخلاف هو الاختلاف في الاجتهاد والتصور وفهم الدليل، وهذا النوع من الاختلاف خلاف لا ينبغي المصير إليه كما قال الجويني ـ رحمه الله: ليس للمجتهد ان يعترض بالردع والزجر مع مجتهد آخر في موضوع الخلاف إذ كل مجتهد في الفروع مصيب وهو يقصد - رحمه الله - لا ينكر أحد على أحد في مسائل الفروع التي يسع فيها الخلاف خاصة الخلاف المعتبر، وإنما يناقش فيها لكن لا ينكر ولا يشدد عليه ولا يبدع، وهذا النوع من الاختلاف بلا شك إذا وقع بين الناس يجب ان يتخلق الناس بجملة من الأخلاق والآداب.
آداب الاختلاف
وحــدد د.العــصيمي تلك الآداب، وأولها: الرفق بالتعامل إذا اختلفت مع الآخر، فإن الواجب هو الرفق به وعدم التشنيع عليه، ثانيا: تقوى الله عز وجل وتجنب اتباع الهوى فإن تقوى الله عز وجل تعصم الإنسان من الشطط ومن الظلم خاصة والفجور في الخصومة، ثالثا: ألا يتكلم الإنسان المختلف مع أخيه إلا بعلم فلا يتكلم بجهل، رابعا: إذا ظهر لك الحق يجب ان تنقاد إليه وأن تزعن له.
خامسا: عدم التهاجر والتدابر، فإن هذا هو حظ الشيطان وهو الذي يريده، سادسا: أن يتهم الإنسان رأيه كما قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: «قولي صواب يحتمل الخطأ وقولك خطأ يحتمل الصواب»، والنبي صلى الله عليه وسلم كان كثيرا ما يقول: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم»، وكان يقول إذا وقع الخلاف بين الصحابة (الخلاف المعتبر): «كلاكما مصيب» وهذا يشير الى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤصل قضية عدم المناكفة وعدم التهاجر عند وقوع الخلاف.
الإنصاف مع المخالف
ويضيف د. أحمد الملا بقوله: قال الله تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) إن أعظم اسباب ضعف الأمة وهزيمتها النزاع في الجزئيات في زمن صراع الكليات، واليوم الصراع محتدم بين المؤمنين والكفار، ونجد من المسلمين من يهون هذا الأمر لكون المعتدى عليهم من المسلمين لديهم بعض الاخطاء المنهجية او بعض البدع او المنكرات.
هذا الخلط في التعامل مع هذه القضايا أوجد جيلا لا يفقه المصالح والمفاسد ولا يعرف السياسة الشرعية ولا المقاصد من تشريع الاحكام فضلوا عن سواء السبيل، أيها المخذولون: مالكم كيف تحكمون؟
وأكد د. الملا ضرورة التماس العذر للمخالف عند الخلاف المجتهد وعدم التثريب عليه وتجنب اسلوب الاستفزاز ومحاولة احتواء المخالف بذكر المسائل المشتركة المتفق عليها، ولابد من العدل والإنصاف مع المخالف بذكر ما له من حسنات وانكار ما عليه من مخالفات والله الهادي إلى سواء السبيل.
الخلاف المعتبر
الشيخ د. صلاح المهيني يقول: فقه التعامل مع القضايا الفقهية الخلافية هو احدى القضايا التي يجب ان يتعلمها طلبة العلم الشرعي، وذلك لأن هذا المجال كان سببا في شق صف الأمة الإسلامية عندما لم تكن تحسن التعامل مع هذه القضايا، وحتى نلخص الموضوع بشكل مبسط، يجب علينا ان نقدم مقدمة صغيرة وهي النظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وكيف تعاملوا مع القضايا الخلافية:
1 ـ ورد في صحيح مسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فصام بعض، وأفطر بعض فتحزم المفطرون وعملوا، وضعف الصوام عن بعض العمل، قال: فقال في ذلك: ذهب المفطرون اليوم بالأجر.
2 ـ كما ورد في صحيح مسلم أيضا: نادى فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم انصرف عن الاحزاب الا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة، فتخوف ناس فوت الوقت، فصلوا دون بني قريظة، وقال آخرون: لا نصلي إلا حيث امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن فاتنا الوقت قال: فما عنّف واحدا من الفريقين.
وهذه بعض الآثار التي تخبرك ان الخلاف الفقهي وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم دون ان يعنف احدا من الفريقين او يبين صواب احدهما احيانا.
وهنا إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم ان الاختلاف الفقهي هو امر طبيعي لاختلاف العقول في فهم النصوص الشرعية، ومن المعروف ايضا انه وليس كل خلاف جاء معتبرا الا خلاف له حظ من النظر فما هو الخلاف المعتبر؟ الذي يبدو لي والله أعلم أن الخلاف المعتبر له عدة شروط وهي: أن يتماشى مع مقاصد الشريعة، وألا يخالف اصول الفقه وقواعد اللغة العربية وألا يخالف القواعد الفقهية.
ومن خلال هذه الضوابط نستطيع فهم القرآن والسنة فهما منضبطا.
وأكد د. المهيني ان الواجب على الفقهاء وطلبة العلم الشرعي النظر في الاقوال الفقهية ومدى توافقها مع هذه الضوابط، فإن كان القول متماشيا معها فبرأيي والله أعلم لا يجوز شرعا الانكار على صاحبه.
وأما إن لم يكن متماشيا مع الضوابط فيكون النقاش العلمي هو السبيل لتقارب الاقوال والله أعلم.
ولفت الى انه قد يعتقد البعض ان الامة مجبرة على الالتقاء على قول واحد، لأن الحق لا يتعدد بزعمهم، وهذا خطأ فادح والله أعلم، فليس المطلوب هو التوحد على قول او مذهب واحد، لأن هذا محال، لكن المطلوب هو تعلم فقه التعامل مع الاختلاف حتى لا تقع الأمة في الفرقة والانشقاق.