من سخريات القدر أننا نرى هنا وهناك جملا وعبارات تستفز من يقرأها وتكدر خاطره، مصداقا للقول السائر «عش رجبا ترى عجبا»، وسبحان الله فمن يعش ير اختلافا كبيرا، لذلك نحن نحاول جاهدين عدم رؤيتها، ولكن للأسف تقع عيوننا عليها بالصدفة ودون رغبة منا، ومن هذه العبارات التي ترفع الضغط والسكري على سبيل المثال: «الكويت ذاهبة إلى نفق مظلم»، أو «استعادة الكويت» وهذه الأخيرة تجعلنا نتساءل بغرابة: هل الكويت ضائعة تائهة لنبحث عنها في كل مكان، أم أنها سرقت منا أم هي محتلة من عدو غاشم ونريد تحريرها، (أيهات!) ما هذا الهراء والكلام غير المنطقي؟
الكويت هي الكويت لم تتغير قيد أنملة عما كانت عليه في السابق، نعم نحن نريد ونتمنى لها من أعماق قلوبنا أن تكون أفضل حالا مما هي عليه، وأن تتقدم وتكون في المقدمة أكثر وأكثر، ولكن هذه العبارات البائسة اليائسة تؤثر على نفوسنا لبعض الوقت ولكن حبنا للكويت وتعلقنا بها يجعلنا نرميها وراء ظهورنا، وإن كان القصد التجاوزات والمخالفات الحاصلة وما شابه ذلك، فهذه الأمور حاصلة في كل زمان ومكان، ونحن أفضل حالا من غيرنا، وهذا أمر آخر لا علاقة له باستعادتها، فجملة استعادة الكويت كبيرة جدا على ذلك ثم إن الدولة وكما يرى الجميع مستنفرة عن بكرة أبيها وتتابع هذه المواضيع أولا بأول، فكل مخطئ سينال جزاءه بالقانون إن عاجلا أو آجلا، أما الكويت فهي باقية وشامخة بولاة أمورها وبشعبها، ولا بأس أن نقول نصحح أخطاءنا ونضخ الدماء الشابة في وزارات الدولة، ولكن أن نستعيد الكويت فهي جملة ثقيلة لا محل لها من الإعراب، ووقعها على الأذن أيضا ثقيلا، حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدقك فلاعقل له.
انظروا حولكم فالكويت لم تتغير فهي مثلما عهدناها، ولكن الناس تغيروا وتبدلت طباعهم، وتغيرت مفاهيمهم للحياة ولا أعني كل الناس، وقد ظهر واضحا ضعف الوطنية ليس هذا فقط، بل أطلت علينا برأسها القبلية المقيتة والمذهبية والحزبية والدولة يقظة لهذه الأمور التي لم نعهدها في السابق.
ومن المؤسف أيضا أن المادة طغت على النفوس فصارت الناس تقاس بما تملك من مال، لا بأخلاقها وسلوكها الحسن، لقد تغير وتجرأ بعضهم على بعض، وأصبح بعضهم يكيل لبعض الاتهامات في أساليب سوقية ركيكة، وانتشرت الإشاعات والأكاذيب انتشارا واسعا في مجتمعنا وأصبحت مواقع التواصل معول هدم، وآفة تنخر في جسد الوطن، ونحن نعلم أنها أخطر من الوباء، إذن فالتغيير في طباع الناس ولا ذنب للكويت في هذا الأمر، فلنحافظ على وطننا ونترك عنا الأقاويل التي لا تجلب لنا سوى التفرقة، ولله در المهلب بن أبي صفرة حيث يقول:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا
وإذا افترقن تكسرت أفرادا
كونوا جميعا يا بني إذا اعترى
خطب ولا تتفرقوا آحادا
ودمتم سالمين.