أم عامر الضبع وهي أكثر مخلوقات الله خيانة وغدرا، لا يثمر فيها المعروف ولها قصة مع مجيرها صارت مثلا للغدر والجحود مثل جرو السوء، ومن هنا قال زهير بن أبي سلمى:
ومن يجعل المعروف في غير أهله
يكن حمده ذما عليه ويندم
لقد بات من المألوف نكران المعروف وجحود النعم عندنا، وهذه العينة متوافرة عندنا ونسمع قصصا يشيب لها الرأس، خاصة في وقتنا هذا الأغبر، حتى أصبحت «اللئامة» شهامة وضاع المعروف في أروقة خاربي الضمائر، وليت نكران المعروف يقف عند هذا الحد لسكتنا على مضض، ولكن منكر المعروف يسيء لمن أحسن إليه وهذه نذالة ما بعدها نذالة، مع العلم أن إسداء المعروف وصنع الجميل وشاح الأشراف وحلية المؤمنين، ومن هنا قال الناس «خيرا تعمل شرا تلقى» ومن لا يشكر الله لا يشكر الناس.
يقول المولى عز وجل: (ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم) النمل: 40، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه فإن ضاع المعروف عند الجاحد فلن يضيع عند الله تعالى، وقد سمي المعروف معروفا لأن النفوس تعرفه وتحبه وترتاح له وتشهد بملاءمته للفطرة، فما بال بعض الناس ينكره!
والحمد لله أن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، فلا يندمن أحد على إسداء المعروف وفعل الخير، ولا يظنن أحد أن الله غافل عما يفعله الظالمون، فنكران المعروف هو سبب زوال النعم قضى بذلك الملك الحق العادل، قال الأصمعي سمعت أعرابيا يقول: أسرع الذنوب عقوبة نكران المعروف، ومن قصة أم عامر أن جماعة من العرب خرجت للصيد فعرضت لهم أم عامر فطاردوها في يوم حار فدخلت بيت أعرابي وهم وراءها فاخترط سيفه وقال لهم: إنها في جواري ولا سبيل لكم عليها فانصرفوا، فأحضر لها ماء وسقاها حليبا من شاته فشربت فلما رأى ذلك نام، فما ان نام حتى وثبت أم عامر إليه وبقرت بطنه، وفي الصباح رأى ابن عم الأعرابي ما حدث له فعلم أنها أم عامر فتبع أثرها حتى لحقها فرماها بسهم قتلها وقال:
ومن يصنع المعروف في غير أهله
يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر
أدام لها حين استجارت ببيته
لتأمن ألبان اللقاح الدرائر
فأسمنها حتى إذا ما تكاملت
فرته بأنياب لها وأظافر
فقل لذوي المعروف هذا جزاء من
بدا يصنع المعروف في غير شاكر
من هنا أقول إن نكران المعروف من شيم اللئام، والنفوس الكريمة لا تجازي الإحسان بالنكران، وإنما تعرف لأهل المعروف حقهم هذا، ودمتم سالمين.