رغم أن الحدث حزين، والفراق كئيب، والفقيدة كان لها في تاريخنا صفحات وذكريات، وكوني أصبحت مخضرما حيث إني ولدت قبل أن تصبح ملكة لبريطانيا العظمى، وكانت سنوات حكمها مقاربة لعمري، فقد كان لاسمها وعاصمة مملكتها «لندن» مكان في أذني، عندما كنت طفلا كان كل شخص اجنبي بشرته تميل إلى الاحمرار والشعر أشقر نطلق عليه مسمى «عنقريزي» أي إنجليزي حتى وإن كان ألمانيا أو أميركيا او فرنسيا، أما الشخص العربي فنطلق عليه مسمى «فلسطيني» طبعا لأننا أطفال ومن قلة وسائل الثقافة، وكانت بريطانيا بالنسبة للكويتيين الأم الحاضنة، وحتى يستفيد هذا الجيل من مقالي أخبرهم بأننا ككويتيين ربما نكون مخالفين للآخرين، فكل الشعوب تكره مستعمريها، إلا نحن علاقتنا طيبة معهم وحتى يعرف هذا الجيل السبب ويحفظوه للتاريخ.
ففي حكم الشيخ مبارك الكبير، اجتاح الأتراك (الخلافة العثمانية) الشرق الأوسط والجزيرة العربية، ودمجوا الدول بعضها ببعض واختفت الحدود والهوية، فخشي الشيخ مبارك الصباح من أن تضيع هوية الكويت بدمجها مع من سبقها، فتفاوض الشيخ مبارك مع الإنجليز وكانوا هم القوة الضد المعادلة للأتراك، وطلب منهم حماية الكويت من المد العثماني (رغم أن ذلك لن يرضي الشعب الكويتي المسلم) لكن للسياسة قوانينها (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم)، فرفض الإنجليز في بداية الأمر ماذا يستفيدون من ارض قاحلة، وحرارة عالية، وشعب فقير، ولكن بحكمة الشيخ مبارك الكبير، تم إبرام اتفاقية الحماية البريطانية للكويت عام 1899م وللعلم تم اكتشاف النفط بعد أربعين عاما تقريبا (1937)، إن حماية بريطانيا للكويت كانت فضلا من بريطانيا دون مقابل، كما يقول المثل المصري «ايش ياخذ الريح من البلاط»، وللعلم كذلك أن الشيخ مبارك الكبير بحكمته أخفى هذه الاتفاقية سرا، والسبب أن الشعب كان متدينا وأصوليا، حتى بانت أثناء الحرب العالمية الأولى «بحادثة تغيير علم الكويت على السفن الكويتية في الهند».
وكانت معاهدة الحماية البريطانية 1899م جزءا من الوثائق الكويتية التي أثبتت أن الكويت حرة ومستقلة بتصرفاتها والدليل أن كل جيرانها من الدول كانوا يتبعون الإمبراطورية العثمانية إلا الكويت لا علاقة لها بالباب العالي في إسطنبول او الاستانة، لذلك الكويت وبريطانيا كانت بينهما علاقات مثمرة ومهمة استفادت الكويت منها اكبر استفادة، وفى عام 1961 طلب سمو الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم إنهاء اتفاقية الحماية (والتي تنتهي عام 1999 حسب الاتفاق) وبمجرد إعلان الاستقلال حتى نعق حاكم العراق عبدالكريم قاسم بأطماعه بالكويت، وما هي إلا ساعات حتى انتشر الجيش الانجليزي على حدودنا الشمالية حماية للكويت (رغم أن المعاهدة ألغيت)، إنهم خير صديق في وقت الضيق.
ولا ننسى موقف مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا حين حثت دول العالم على المشاركة عسكريا في تحرير الكويت، إن ما يربط الكويت ببريطانيا اكثر من علاقات ديبلوماسية، وبهذه المناسبة نتقدم الى الشعب الانجليزي وقيادته بأحر التعازي بوفاة ملكة المملكة المتحدة، تلك الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
[email protected]