الحداثة تعبير دائم عن وعي عصر ما، نتيجة للانتقال من القديم إلى الحديث، ومواكبة التقدمية في مختلف المجالات والمستجدات نحو النمو والتطور التكنولوجي والصناعي والسياسي والاقتصادي، وانتزاع قناع النمطية الفكرية الثقافية والموروثات المتراكمة والقيم الجامدة، وترتيب الحياة ترتيبا من خلال معايير يستمدها الإنسان من ذاته ومن الطبيعة، وأن الإنسان جوهر كل شيء، إلا أن حداثتنا بقيت مجرد «نقل نظري» للأفكار من غير تحديث العقول!
في عصر التكنولوجيا والعوالم المفتوحة نعاني من انفصام سلوكي حاد بين ثقافتين على طرفي نقيض، ثقافة ظلامية تطغى على أخرى متنورة، ثقافة الجهل على ثقافة العلم، ثقافة النقل على ثقافة العقل، وتحقيق التقدم والرقي الإنساني.
تقدم أي مجتمع هوى مدى استنارته، وانتقاله من الانغلاق إلى الانفتاح ومن الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الإنتاجي، وتطوير التعليم، وعدم تلقي الموروث دون تمهل استقرائي متمعن، والصياغة المتجددة للمبادئ والأنظمة، وإلا فإن المستقبل سيكون كارثيا بثقافتنا الحالية وباهتماماتنا السائدة وبتواكلنا، وبرفضنا لأي فكر جديد نعيش خارج منظومة العصر وضد متطلبات المستقبل المجهول الذي سيكون زاخرا بالمفاجآت لمجتمع غير منتج وغير مستعد لأن يستفيد من معطيات العلم وتجارب الآخرين الناجحة.
المجتمع الراغب بحداثة خالية من التشوهات يمكنه التفريق بين الغث والسمين، ومن التوجه نحو تناغم حضاري عالمي دون إفراط ولا تفريط، ولا وصاية باسم المجتمع والدفاع عن الدين وحمايته والحرص على القيم الأخلاقية، ومحاربة الحداثة والمعرفة والثقافة. لا يحق لأحد أن يفرض أفكاره على الناس بالقوة، أو يكون وصيا على سلوكهم وأفعالهم في ضوء الحفاظ على القيم الكبرى التي تحفظ وحدة المجتمع وتماسكه، وهي قيم الدين الذي ارتضيناه وآمنا به، وأنظمة الدولة ودستورها الذي يجب أن يكون منسجما مع قيم الدين وتشريعاته.
إننا بحاجة إلى طليعة واعية ونخبة مخلصة في كل مجال لبناء الوعي الشامل المتكامل، والأساس المدني في المجتمع، إشاعة ثقافة التقدم، وثقافة العلم، والانفتاح بحيث تواجه الثقافة التقليدية، وروح التسامح، وحق الاختلاف، تقدم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، وتدرك أن مهمتها هي قيادة المجتمع كله لما يحقق الخير والنفع للجميع، والتحول لأداة فاعلة في التأثير على المجتمع من خلال التعليم والثقافة والمعرفة حينها قد ننجو بالمجتمع والوطن من تيارات الرجعية والجهل.
فكر متصلب ينسب الحق لنفسه، والحقيقة لذاته.. فكر كما أفكر، أو فكري هو الصواب، وفكرك هو الخطأ. وهذا لا يقبله أحد، والحق والحقيقة لا تنسب لأحد.
الغزارة المعلوماتية والقرية الكونية الواحدة لم تعد تسمح بالوصاية، لأن البدائل موجودة، والوصاية تكون حين تتعطل البدائل، ولكنها كثيرة، واليوم لم تعد تقبل هذه الوصاية، لأن كل إنسان يحمله دلالاته الخاصة بحسب ثقافته وطبيعة تفكيره ومقاصده.
كل إنسان ملزم بالتأمل والتفكير والاختيار إما الخير أو الشر، إنها مسألة الوعي والاختيار، الوعي بالحياة وبما نؤمن من أفكار، نتأمل ونحلل، لنصل إلى مرحلة الاختيار.
إما أن نكون أخيارا أسوياء متحضرين أو نكون عكس ما سبق.
٭ عز الكلام: لن يصح إلا الصحيح، «فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض».
[email protected]
Nesaimallewan