قرر الكثير من الشباب الروسي في سن التجنيد الفرار فور إعلان التعبئة الجزئية في مؤشر على المأزق الذي يواجهه غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا، في خطوة اعتبرها الغرب دليلا جليا على فشله ويأسه.
وتداعى معارضو الحرب ورافضو اعلان التعبئة للتظاهر في مختلف انحاء البلاد. وقالت منظمات حقوقية انه تم اعتقال أكثر من 200 شخص في أنحاء روسيا خلال احتجاجات ضد قرار التعبئة.
وأضافت جماعة أو.في.دي إنفو المستقلة لرصد الاحتجاجات أنها علمت بوقوع اعتقالات في 15 مدينة مختلفة على الأقل.
والمسيرات التي لم تحصل على تصاريح مسبقة محظورة في روسيا بمقتضى قوانين مناهضة للاحتجاجات في البلاد.
ونفدت تذاكر الرحلات الجوية المغادرة سريعا أمس، فور اصدار بوتين أمرا باستدعاء 300 ألف جندي من قوات الاحتياط.
وهو ما أثار مخاوف من عدم السماح لبعض الرجال في سن التجنيد بمغادرة روسيا، رغم اعلان وزير الدفاع سيرغي شويغو أن الاستدعاء سيقتصر على من لديهم خبرة كجنود محترفين، ولن يتم استدعاء الطلاب أو من خدموا كمجندين فقط، مشيرا الى ان هذا العدد لا يمثل سوى 1.1% من قوة الاحتياط الكبيرة والتي يبلغ قوامها حوالي 25 مليون شخص.
ومع ذلك، أظهرت بيانات غوغل تريندس ارتفاعا حادا في عمليات البحث على «أفياسيل»، وهو الموقع الأكثر شعبية في روسيا لشراء تذاكر الرحلات الجوية، بحسب رويترز.
ونفدت تذاكر الرحلات الجوية المباشرة من موسكو إلى إسطنبول في تركيا ويريفان في أرمينيا وكذلك الى اذربيجان وكازاخستان وجورجيا.
وأظهرت بيانات شركات الطيران ووكالات السفر المنشورة أن الرحلات المغادرة أصبحت محجوزة بشكل شبه كامل هذا الأسبوع.
في الأثناء أعلنت خطوط الطيران التركية على موقعها الإلكتروني أن الرحلات المتجهة حجزت بالكامل حتى السبت. وأظهرت بيانات غوغل أن البحث في روسيا عن «تذاكر» و«طائرة» ازداد بأكثر من الضعفين فور بدء بث كلمة بوتين.
كما أظهرت بيانات «غوغل ترند» أن مصطلح «مغادرة روسيا» كان أكثر رواجا بمائة مرة في الصباح مقارنة بالأوقات العادية.
ولم تعد هناك أماكن متوافرة حتى في الرحلات غير المباشرة، مثل الرحلات من موسكو إلى تبليسي، وكان سعر أرخص الرحلات الجوية من موسكو إلى اسطنبول أكثر من 80 ألف روبل اي ما يقارب الـ1321 دولارا وارفعت إلى كثر من 300 ألف روبل، مياعادل خمسة آلاف دولار، وهو خمسة أضعاف متوسط الأجور الشهرية تقريبا.
وكان بوتين أمر صباح أمس، بأول تعبئة للجيش في بلاده منذ كان الاتحاد السوفييتي السابق يقاتل ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، وأنذر الغرب بأنه لم يكن يخادع عندما قال إنه مستعد للجوء لأسلحة نووية للدفاع عن روسيا.
ووقع بوتين مرسوم التعبئة الجزئية لجنود الاحتياط الروس ودخل حيز التنفيذ اعتبارا من أمس، بدعوى أن الجنود الروس يواجهون بالفعل القوة الكاملة «للآلة العسكرية» الغربية في أوكرانيا.
وفي أكبر تصعيد، زاد بوتين صراحة من احتمالات الصراع النووي، في خطاب بثه التلفزيون الروسي «إذا تعرضت وحدة أراضينا للتهديد، سنستخدم كل الوسائل المتاحة لحماية روسيا وشعبنا، هذا ليس خداعا».
واتهم الغرب بتجاوز «كل الخطوط في سياسته العدوانية المناهضة لروسيا.. ومن يحاولون ابتزازنا بالأسلحة النووية عليهم أن يعلموا أن الأمر يمكن أن ينقلب عليهم».
وأثار الخطاب، الذي جاء بعد هزيمة لروسيا في ميدان المعركة في شمال شرق أوكرانيا، تكهنات بشأن مسار الحرب ومستقبل بوتين (69 عاما) وأظهر أن الرئيس الروسي يضاعف من رهاناته على الغزو، وهو يعول على ما يبدو على أن زيادة مخاطر اندلاع مواجهة مباشرة بين حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وروسيا بما قد يشكل خطوة إضافية صوب اندلاع حرب عالمية ثالثة، ستدفع الغرب لمراجعة عمه أوكرانيا.
وفي تصعيد آخر، أعلن بوتين دعمه الصريح للاستفتاءات التي اعلنتها السلطات المعينة من قبل موسكو في اقليم دونباس المكون من لوغانسك ودونيتسك في الشرق اضافة الى مناطق خيرسون وزابوريجيا التي تضم اكبر محطة للطاقة النووية في اوروبا، وتساوي 15% من مساحة اوكرانيا. وقد يفضي ذلك لضم مساحات شاسعة من أوكرانيا تصل لما يوازي حجم المجر.
وقال «سندعم قرارهم عن مستقبلهم، الذي سيحدده أغلبية السكان». وبضم هذه الأراضي رسميا، يعطي بوتين لنفسه ذريعة محتملة لاستخدام أسلحة نووية من ترسانة روسيا الضخمة التي تضم رؤوسا حربية أكثر ربما مما تمتلكه أميركا.
وفور اعلان بوتين التعبئة ودعم الاستفتاءات، تواترت ردود الفعل الغربية التي اعتبرته اقرار بالفشل واليأس.
وقالت سفيرة الولايات المتحدة في أوكرانيا بريدجت برينك في تغريدة إن «الاستفتاءات الزائفة والتعبئة هي مؤشرات ضعف وفشل روسي».
لكن المتحدث باسم البيت الأبيض أكد أن بلاده «تأخذ على محمل الجد» تهديد بوتين باستخدام الأسلحة النووية، محذرا أنه عليه أن يتوقع «عواقب وخيمة» إذا لجأ إلى ذلك.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي في مقابلة مع شبكة إي بي سي ABC: «هذا خطاب غير مسؤول من قوة نووية.. نحن نراقب وضعهم الاستراتيجي بأفضل ما نستطيع حتى نتمكن من تغيير موقفنا إذا لزم الأمر. لا شيء يقول حاليا أن هذا الأمر ضروري».
بدوره، وزير الدفاع البريطاني بن والاس قال في بيان إن تراجع الرئيس الروسي عن «تعهد شخصي بعدم استدعاء جزء من السكان يشكل اعترافا بالفشل»، مشيرا إلى أن «أوكرانيا بصدد كسب الحرب.. وأن روسيا بصدد أن تصبح منبوذة على الساحة الدولية».
كما قال بيتر ستانو المتحدث باسم السياسة الخارجية للمفوضية الأوروبية في إفادة صحافية روتينية «هذا مجرد دليل آخر على أن بوتين غير مهتم بالسلام وأنه مهتم بتصعيد حرب العدوان هذه».
وأضاف «هذه أيضا علامة أخرى على يأسه من الطريقة التي يسير بها عدوانه على أوكرانيا.. إنه مهتم فقط بالمزيد من التقدم ومواصلة حربه المدمرة، والتي لها بالفعل العديد من العواقب الوخيمة في جميع أنحاء العالم».
من جهته، قال متحدث باسم الحكومة الألمانية إن المستشار الألماني أولاف شولتس يعتقد أن التعبئة التي أعلنها بوتين بمنزلة مؤشرات على أن هجوم موسكو على أوكرانيا لم يكلل بالنجاح.