نتحدث اليوم عزيزي القارئ عن «السائل الزجاجي» أو الجسم الزجاجي، وهو ذلك السائل الذي يملأ تجويف العين خلف العدسة، ويتكون في الواقع من ألياف ميكروسكوبية شفافة مرتبطة بأطراف الشبكية تعطيه قواماً متماسكاً يشبه «الجيلي»، ولهذا السبب استبدلت كلمة «السائل» بكلمة «الجسم».
وهذه الطبيعة الخاصة جعلت الدخول إليه والتعامل معه أمرا خطيرا، لكثرة المضاعفات الناجمة عن التدخل الجراحي فيه بالطريقة التقليدية القديمة، حيث ينجم عن ذلك غالبا نوع من الانفصال الشبكي شديد التعقيد، وقد ظل الجسم الزجاجي يشكل إلى عهد قريب حرما ذا قدسية.
وقد تمكن فريق هندسي أخيرا من اختراع آلة جراحية دقيقة متناهية الصغر، تستطيع الدخول إلى داخل تجويف العين المظلم من خلال فتحة قطرها أقل من 1 مم، والتعامل مع الجسم الزجاجي.
مكنت هذه الجراحة أطباء العيون من اكتشاف وعلاج المزيد من الأمراض التي استعصت عليهم في السابق، ما فتح الطريق لإعادة النور إلى الكثير من مكفوفي البصر، خاصة مرضى الانفصال الشبكي المعقد، وذوي ثقب «الماقولا».
والأبحاث في هذا التخصص الدقيق لا تنتهي فكل يوم هناك جديد قد يكون على هيئة أسلوب جراحي مبتكر ومفهوم حديث لطبيعة وأسباب الانفصال من هذا النوع أو ذاك، أو قد يكون الجديد في الاستعانة بمواد كيميائية تؤدي وظيفة «سنادة» للشبكية لإبقائها في مكانها الطبيعي، الذي قد يكون بصفة دائمة، أو بصفة مؤقتة، وهذه المواد تشمل: الغازات الممتدة، والسوائل ذات اللزوجة العالية، والأخرى ذات الكثافة العالية، أو التي تجمع كلتا الصفتين.
وتوفر هذه المواد سالفة الذكر ديناميكية حركية يطوعها الجراح، ويستطيع بواسطتها أن يعيد الشبكية إلى مكانها، وقد يستخدم الليزر الداخلي في نهاية العملية للحام الشبكية مع المشيمة بصفة دائمة، ثم تم استحداث أخيرا جراحة الجسم الزجاجي بالمنظار، والتي مكنت الجراح من الوصول إلى أماكن ضيقة مثل الجسم الهدبي، وما تحت الشبكية، وواقع الأمر أن كل هذه الوسائل في مجملها قد ساهمت بدرجة كبيرة في رفع نسب النجاح لعمليات الانفصال الشبكي.