مسألة الناس ليس بالضرورة أن تكون مادية، فربما كانت لمصلحة، وعموما حاجة المرء لا تقف عند حدّ مادام حيا، تذهب حاجة وتأتي حاجة، وفي المقابل عزة نفس المرء فوق كل شيء لأنها تمنعه من أمور كثيرة، فيكون مترددا في طلب الحاجة، وربما وفقه الله برجل شهم يقضي حاجته، وربما ابتلاه الله برجل لئيم، وهنا لب الموضوع وأساسه، فكرامة الإنسان أمر مهم للغاية، فالمرء بلا كرامة لا اعتبار له، فهي جزء من الخلق الحسن وليس أمرا من سؤال الناس في هذه الدنيا فربما ردك من تسأله ردا قبيحا، وقد قال الأفوه الأودي:
وذقت مرارة الأشياء طرّا
فما طعم أمرّ من السؤال
وحول هذا الأمر حكايات كثيرة فقد روي أن سعيد بن العاص (أمير المدينة لمعاوية بن أبي سفيان) كان يطعم الناس في رمضان بالمدينة المنورة وهو من أسخياء عصره، وفي إحدى الليالي قام الناس وخرجوا وظل فتى من قريش جالسا مكانه، فنظر إليه سعيد وعلم أن له حاجة يمنعه الحياء من ذكرها، فاقترب منه وقال: أظن لك حاجة يا فتى؟ فقال: نعم أصلح الله الأمير، فقام سعيد وأطفأ السراج ليقيه ذل المسألة، ثم قال له: ما حاجتك؟ قال: تكتب فيّ إلى أمير المؤمنين فإن علي دينا أثقل كاهلي، وليس لي بيت، لعل شفاعتك لي عنده تنفعني، فقال: أو خير لك مما ذكرت، قال: ما هو أصلحك الله؟ قال: كم دينك وكم ثمن البيت؟ قال: ألفا دينار، فقال: دينك ومنزلك عليّ وأكفيك مؤونة السفر، وذل المسألة، فأعطاه المال، فكان الناس يقولون: إن إطفاءه السراج أحسن من إعطائه المال حتى لا يرى في وجهه ذل المسألة، وروي أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس؟ فقال: «ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس» إن ذل السؤال وطلب الحاجة أمر ليس بالسهل، يقول أبو تمام:
ذُلُّ السُؤالِ شَجىً في الحَلقِ مُعتَرِضُ
مِن دونِهِ شَرَقٌ مِن خَلفِهِ جَرَضُ
والعمل وقاية للمرء من ذل المسألة فشرف العمل يقيك ذل السؤال، فقدر الحياة اقل من أن تسأل، فلا نسأل إلا الله تعالى فنحن نقول في كل صلاة (إياك نعبد وإياك نستعين) وعلى هذا السياق يقول مهيار الديلمي:
يلحى على البخل الشحيح بماله
أفلا تكون بما وجهك أبخلا
أكرم يديك عن السؤال فإنما
قدر الحياة أقل من أن تسألا
ولقد أضم إلي فضل قناعتي
وأبيت مشتملا بها متزملا
هذا ودمتم سالمين.