انتهت فـــترة الانتخابات لمجلس الأمة 2022، والتـــي على الرغم من قصر مدتهـــا، إلا أنـــها كانت حافلة بمفاجآت المرشحين الغريبة والعجيبة والسارة والصـــادمة، فمن متابعتي لأخبار معظم المرشحين لمجلس الأمة في شمال البلاد وجنوبها فاجأتني صور الندوات، فالمقار الانتخابية كانت مزدحمة بالناخبين وهو أمر لم يكن مألوفا من قبل، حيث إن الازدحام كان ينحصر في عدد محدود من المرشحين والبقية تختلف كثافة متابعيهم، ولكنه لا يبلغ ما رأيناه من ازدحام مع أن الجميع يعرف أن فلانا أو علانا من المرشحين ليسوا من أصحاب الشعبية العالية ولا يملكون أدنى جاذبية سياسية، فلماذا هذا الازدحام غير المنطقي والتهافت على التصوير مع المرشح؟ لا أدري هل الأفلام أصبحت واقعا يفرض علينا لتصديقه؟ البرامج الانتخابية لأكثر المرشحين كانت تضع الوطنية شعارا رناناً لها مع أن بعضهم لا يعرف من الوطنية إلا حروفها، والوعود التي كانوا يطلقونها تجعل الناخب يعتقد أن «خاتم سليمان» أصبح بحوزتهم، وصدمني أن بعض المرشحين لا يستحون من الوقوف أمام الناخبين واجتـــرار مقاطع كاملة مــــن ندوات مشـــهورة لنــــواب سابقين بنفس الكلمات والجمل مما يفضح إفلاسهم السياسي والوطني.
وما زاد الطين بلة، التوجه الغريب لاستقطاب الجماهير حتى في تزوير تاريخ الوطن وضرب اللحمة الوطنية وتلفيق القصص والأكاذيب عن بعض المرشحين مع الاجتهاد المريض لنبش ماضي المرشح وفضح معاركه الخاصة ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتنفير الناس منه، ثقافة جديدة ومريضة بدأت بالانتشار وتتمركز حول إسقاط أي منافس ناجح أو بارز ونشر الشائعات وإثارة الشكوك حوله، المهم أن تظل دائرة الفوز محصـــورة فـــي سين وعين من المرشحين.
تحـــول العرس الانتخابي إلى هـــم وغــــم وضيق يخنق أهل الكويت، وبدأت تمتمات الشك الصريح بقدرة المرشحين على ترميم ما أحدثه الفساد من عطب واضح في تنمية البلد والقيام بدورهم التشريعي المطلوب، البعض أعلنها صراحة أنهم لا يرغبون في الانتخاب فلقد وصلوا لطريق مسدود مهما حاول المرشحون زخرفته لزغللة عيون الناخبين.
كان أهل الكويت يفتخرون بالديمقراطية التي انقلبت إلى مصدر ألم وإحباط وارتفعت أصوات تنادي بضرورة سن قوانين تحاسب النائب على تقصيره ومشاغبته غير المجدية والصراخ لمجرد التأزيم مع الحكومة، فالإنجازات التي نطمح لها تكون بالالتفات لقضايا الشعب الكويتي الحقيقية وليست القضايا التي تخص النائب وجماعته أو ما يخدم أجندته الخاصة، أهل الكويت يريدون بحق حماية هويتهم الوطنية ونسيجهم الاجتماعي من العبث الذي طال لسنوات طويلة ووضحت نتائجه المؤلمة مع مواجهة واقعية عقلانية للفساد الأخلاقي والمالي والإداري ومعالجة البطالة والاهتمام الحقيقي بقضايا الشعب العالقة، أهل الكويت لا يناقشون أعمار النواب، فالنواخذة كانوا بأعمار متفاوتة، منهم الشاب ومنهم الرجل المحنك، وجميعهم اجتازوا غمار الحياة وأهوال البحر، أهل الكويت يحلمون بالعقلية المفكرة المنتجة التي تقدم الأداء المتميز وتمد يد التعاون لا التأزيم مع الحكومة.
أهل الكويت مسالمون، ولكنهم ملوا من التلاعب والمفاجآت الصادمة، لذلك ستكون أمام النواب فرصة أخيرة لحماية الديموقراطية ودعم الاستقرار في الدولة ومشاريع التنمية والتعليم، نحن أمام مفترق طريق جديد، فهل سيعي النواب والوزراء مدى حساسية دورهم، أم سيعيدون الأسطوانة القديمة؟
[email protected]