تلقت روسيا «ضربة موجعة» جديدة أمس إثر الانفجار الذي ضرب الجسر الوحيد الذي يربطها بشبه جزيرة القرم التي أعلنت ضمها عام 2014، في نكسة ميدانية دفعت موسكو إلى تعيين قائد جديد لقواتها في أوكرانيا، فيما وصفت كييف الانفجار بأنه «البداية» لتحرير كافة أراضيها المحتلة.
فقد ألحق انفجار شاحنة قوي أضرارا جسيمة بجسر «كيرتش» الاستراتيجي الذي يربط بين روسيا و«القرم»، ويضم طريقا بريا ومسارا للقطارات، ليضرب رمزا مرموقا لضم موسكو لشبه الجزيرة وطريق الإمداد الرئيسي للقوات الروسية التي تقاتل للسيطرة على الأراضي التي استعادتها أوكرانيا في الجنوب.
وتحدثت تقارير إعلامية عن ان الانفجار نفذه انتحاري وضع ٢٠ طنا من المتفجرات في الشاحنة.
وبعد الانفجار على الجسر المار فوق مضيق «كيرتش»، نشر مسؤولون أوكرانيون رسائل ذات مغزى لكن دون إعلان مباشر للمسؤولية، فيما أعلن الجيش الروسي تعيين قائد جديد لقيادة «العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا.
وبعد سلسلة من الانتكاسات المريرة على الأرض ومؤشرات استياء متزايدة في أوساط النخب بشأن إدارة الحرب، أعلنت وزارة الدفاع الروسية على تيليغرام «تم تعيين جنرال الجيش سيرغي سوروفيكين قائدا للمجموعة المشتركة من القوات في منطقة العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا.
وسبق أن شارك سوروفيكين (55 عاما) في الحرب الاهلية في طاجيكستان خلال التسعينيات وفي حرب الشيشان الثانية في بداية الألفية الثالثة.
وقال محققون روس إن ثلاثة اشخاص لقوا حتفهم يعتقد أنهم كانوا بداخل سيارة كانت بالقرب من الشاحنة التي انفجرت. وذكروا في بيان أنه تم انتشال جثتين لرجل وامرأة من المياه.
وأفاد المحققون بأن مالك السيارة شخص يقطن منطقة كراسنودار في جنوب روسيا، من دون أن يذكروا اسمه، مشيرين الى انه «بوشرت عمليات تحقيق في مكان إقامته».
ويمثل الجسر الآن طريق إمداد مهما للقوات الروسية التي سيطرت على معظم منطقة خيرسون بجنوب أوكرانيا، كما يمثل أهمية لميناء سيفاستوبول.
وحاولت وزارة الدفاع الروسية التخفيف من وطأة الحدث، وقالت في بيان إن قواتها في جنوب أوكرانيا يمكن «إمدادها بشكل كامل» من خلال الطرق البرية والبحرية القائمة.
من جهتها، قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن رد فعل كييف على تدمير البنية التحتية المدنية «يشهد على طبيعتها الإرهابية».
وفي سياق متصل، وصف نائب رئيس مجلس الدوما الروسي أوليغ موروزوف، الهجوم على جسر القرم بأنه «إعلان حرب بلا قواعد».
وقال موروزف في تصريح لوكالة أنباء (سبوتنيك) «إن حربا إرهابية خفية تشن ضدنا، والهجوم الإرهابي المعلن منذ فترة طويلة على جسر القرم لم يعد مجرد تحد بل هو إعلان حرب بلا قواعد».
وقالت اللجنة الوطنية الروسية لمكافحة الإرهاب إن الانفجار وقع في شاحنة نقل وتسبب في اشتعال النار في سبع عربات لنقل الوقود في قطار متجه إلى شبه الجزيرة.
وأضافت أن قسمين من الجسر البري انهارا جزئيا، لكن الممر المائي عبر مضيق كيرتش، والذي تنتقل من خلاله السفن بين البحر الأسود وبحر آزوف، لم يتضرر.
وأظهرت صور نشرتها لجنة التحقيق الروسية التي أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتشكيلها للوقوف على اسباب الانفجار، تدمير نصف الطريق في حين مازال النصف الآخر متماسكا لكنه متصدع.
وأظهرت صور دخانا كثيفا متصاعدا من جزء من الجسر.
بدوره، أعلنت شركة السكك الحديدية الروسية أن القطارات المتجهة إلى شبه جزيرة القرم ستخضع لفحوصات إضافية وانها تعمل مع الحكومة لإيجاد «أفضل طريقة لتسليم البضائع إلى شبه الجزيرة».
وفي وقت لاحق، استؤنفت حركة السيارات على «جسر القرم» بضع ساعات من الانفجار. وقال حاكم «القرم» سيرغي أكسيونوف على تيليغرام «استؤنفت الحركة على جسر القرم. الحركة فتحت أمام السيارات والحافلات مع عمليات تفتيش كاملة».
وكانت هيئة السكك الحديدية في شبه جزيرة القرم، اعلنت عدم تسجيل أي إصابات جراء اندلاع حريق في خزان وقود فوق جسر القرم.
وأوضحت الهيئة أن النيران اشتعلت في خزان وقود كان في مؤخرة قطار شحن يمر فوق الجسر، مؤكدة عدم تسجيل أي إصابات جراء الحادث. ولفتت إلى أن حركة القطارات فوق الجسر تم تعليقها مؤقتا نتيجة الحادث قبل استئنافها بعد ذلك بساعات.
وجاء الضرر الذي لحق بهذا جسر كيرتش، في وقت تعاني فيه روسيا من عدة هزائم في ساحة المعركة بأوكرانيا مما يضعف على الأرجح من قوة رسائل الطمأنة من الكرملين للمواطنين الروس بأن الحرب تمضي وفق ما هو مخطط له.
ووقع الانفجار بعد يوم من بلوغ بوتين عامه السبعين، ونشر أوليكسي دانيلوف رئيس مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني مقطعا مصورا للجسر المحترق على مواقع التواصل الاجتماعي إلى جانب مقطع مصور لمارلين مونرو وهي تغني: «عيد ميلاد سعيد، سيدي الرئيس» في إشارة للرئيس بوتين.
كما نشر ميخايلو بودولياك مستشار الرئيس الأوكراني رسالة على «تويتر» قال فيها: إن هذا الحادث مجرد «بداية» لكنه لم يقل إن القوات الأوكرانية مسؤولة عن الانفجار.
وأضاف «يجب تدمير كل شيء غير قانوني، ويجب إعادة كل ما سرق إلى أوكرانيا، ويجب طرد الروس من كل (منطقة) احتلوها».
جسر «كيرتش».. أهمية إستراتيجية
جسر القرم الذي يطلق عليه أيضا اسم «كيرتش» نسبة إلى المضيق الذي يفصل أراضي شبه جزيرة القرم الأوكرانية مع الأراضي الروسية، افتتح عام 2018 بعد احتلال روسيا لهذه المنطقة عام 2014.
وفي مايو 2018 افتتح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجسر الضخم الذي يربط «القرم» بروسيا قائدا بنفسه شاحنة برتقالية اللون. وبعد أن كان مخصصا لعبور السيارات أصبح الجسر لاحقا يضم مسارا مخصصا للقطارات. ويعد جسر «كيرتش» الممتد على طول 19 كيلومترا مشروعا ضخما ومكلفا استغرق بناؤه عامين لربط روسيا بالقرم ويرمي إلى الحد من عزلة شبه الجزيرة بعد 4 سنوات على ضمها.
ويبلغ ارتفاع الجسر الذي يمر بجزيرة توزلا 35 مترا عند قوسه المركزي وتكون السرعة القصوى المسموح بها عليه 120 كم في الساعة، إذا لم تؤد الظروف الجوية إلى إبطاء حركة السير عليه، بحسب ما ذكرت وكالة «ريا نوفوستي» الروسية للأنباء.
وكلف إنشاء هذا الجسر بـ 228.3 مليار روبل (حوالي 7.5 مليارات دولار).
وشكل الجسر الضخم رابطا رئيسيا لنقل المعدات العسكرية للجنود الروس الذين يقاتلون في أوكرانيا خاصة في الجنوب، وكذلك نقل القوات هناك.
ويمثل انقطاع الجسر عن العمل في قطع الإمدادات عن قواعد روسيا العسكرية في شبه جزيرة القرم والتي تستخدمها في عملياتها الحربية داخل أوكرانيا.
وحافظت روسيا على أن يبقى الجسر آمنا على الرغم من القتال في أوكرانيا لكن شبه جزيرة القرم التي ظلت آمنة بعد أشهر من الغزو تعرضت لهجمات مؤخرا.
ففي أغسطس الماضي استهدف هجوم مستودع ذخيرة في موقع عسكري قرب قرية دجانكوي شمال «القرم»، قالت موسكو إنه كان نتيجة عمل «تخريبي».
وفي الشهر ذاته أبلغت روسيا عن انفجار ذخائر في قاعدة عسكرية جوية في «القرم»، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة آخرين.
ولم تتبن أوكرانيا رسميا أي هجوم استهدف شبه جزيرة القرم، لكن مسؤولين أدلوا بتعليقات في أكثر من مناسبة تدفع إلى الظن أن القوات الأوكرانية قد تكون منخرطة في هذه الهجمات.
بيلاروسيا وأوكرانيا وروسيا تتقاسم «نوبل للسلام»
عواصم - وكالات:
أعلنت لجنة نوبل النرويجية في أوسلو منح جائزة نوبل للسلام لعام 2022 لناشط بيلاروسي بالإضافة إلى منظمتين حقوقيتين غير حكوميتين من روسيا وأوكرانيا تقديرا لجهودهم معا في إثبات «أهمية المجتمع المدني من أجل السلام والديمقراطية».
وقالت رئيسة لجنة نوبل بيريت ريس أندرسن، إنه تقرر منح الجائزة للمدافع عن حقوق الإنسان في بيلاروسيا أليس بيالياتسكي ومنظمة (ميموريال) الروسية لحقوق الإنسان و(مركز الحريات المدنية) الأوكراني لحقوق الإنسان.
وأضافت أن الفائزين بجائزة السلام «عززوا لسنوات عديدة الحق في انتقاد السلطة وحماية الحقوق الأساسية للمواطنين».
وأشارت إلى أن بيالياتسكي كان أحد المبادرين للحركة الديموقراطية التي ظهرت في بيلاروسيا منتصف الثمانينيات، لافتة إلى أنه كرس حياته لتعزيز الديموقراطية والتنمية السلمية في وطنه.
كما لفتت إلى أن منظمة (ميموريال) التي أسست عام 1987 على يد نشطاء بمجال حقوق الإنسان في الاتحاد السوفييتي السابق تهدف إلى «ضمان عدم نسيان ضحايا قمع النظام الشيوعي مطلقا».
ووصفت مركز الحريات المدنية الذي أسس في كييف عام 2007 بهدف تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية في أوكرانيا، بأنه «اتخذ موقفا لتعزيز المجتمع المدني الأوكراني والضغط على السلطات لجعل أوكرانيا ديموقراطية بالكامل».