منذ عدة سنوات والعلاقات الخليجية ـ الأميركية ليست في أفضل حالاتها، فبالرغم من التحالف المعلن بين الجانبين، إلا أن السياسات الأميركية في المنطقة تتناقض مع بعض السياسات الخليجية.
من القضايا الإستراتيجية المختلف حولها، هو الانسحاب من العراق بعد احتلاله عام 2003 دون وجود خطة واضحة ما أدى إلى سيطرة إيران عليه.
وكذلك المفاوضات السرية بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران والتي أدت إلى الإعلان المفاجئ عن الاتفاق النووي الإيراني عام 2015 دون أخذ رأي الحلفاء الخليجيين ووضع مخاوفهم في الاعتبار، بالإضافة إلى التناقض في المواقف الأميركية تجاه الحركات الاحتجاجية أو ما يسمى بحركات «الربيع العربي» منذ 2011 ـ 2015، لم تمنع الولايات المتحدة قمع الشعب السوري ولم تنتصر له، وبينما دافعت روسيا عن حليفها «النظام السوري»، تخلت أميركا عن حليفها الرئيس المصري، وعارضت دعم قوات درع الجزيرة للاستقرار في البحرين.
وربما التنافر الشديد وقع في عام 2015 عندما تدخل الخليجيون وخاصة السعودية ليدعموا الشرعية اليمنية مقابل الحوثيين ولمنع هيمنة إيران على الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية، فقد عارضت إدارة أوباما الديموقراطية الحرب وأوقفت إمدادات التسليح والدعم الاستخباري للسعودية، وعادت تلك الإمدادات جزئيا مع إدارة ترامب الجمهورية، وأوقفت مرة أخرى مع عودة الإدارة الديموقراطية ممثله في الرئيس بايدن، إلا انه استأنفها مرة أخرى مجبرا كما سنوضح.
يبدو أن توتر العلاقات الخليجية ـ الأميركية عاد مرة أخرى تحت وقع الحرب الروسية - الأوكرانية، فبعد حظر أوروبا للبترول والغاز الروسي ارتفعت الأسعار واحتاج الغرب إلى حلفائهم في الخليج لاستقرار الأسواق، مما حدا بالرئيس الأميركي بايدن والذي هدد بعض دول المنطقة بسبب مزاعم بشأن حقوق الإنسان إلى زيارة الخليج ومقابلة زعمائه والطلب منهم بذل جهودهم لتأمين النقص في إمدادات الطاقة.
من الواضح أن تدخل الإدارة الأميركية تارة والكونغرس تارة أخرى في شؤون حلفائهم الداخلية كالسعودية، تركيا واتخاذ إجراءات اقتصادية أحيانا كرفع التعرفة الجمركية للواردات من تركيا أو وقف صفقات التسليح للسعودية أفقد الولايات المتحدة الأميركية مصداقيتها كحليف وخاصة بعد إهمال منطقة الخليج في أواخر إدارة أوباما وفق إستراتيجية أمنية تهدف «للاتجاه شرقا» نحو محاصرة الصين ودعم تواجدها بجانب حلفائها الآسيويين، حيث اعتقدت أن المنطقة الخليجية لم تعد مهمة لأميركا بعد أن اكتفت من الغاز والبترول بعد ثورة النفط الحجري، ولكن الحقيقة الاستراتيجية أن منطقة الخليج مهمة للولايات المتحدة لعدة أسباب منها: أن إنتاج النفط الخليجي يذهب إلى حلفاء أميركا الآسيويين (الهند وكوريا الجنوبية واليابان) وفي الوقت نفسه يذهب إلى أعداء أو منافسي أميركا وعلى رأسهم الصين، فبالتالي وبحسب رأي الخبراء الأميركيين فإن تواجدهم في المنطقة مهم جدا حيث يمكنه تأمين وصول النفط لحلفائهم وقت السلم وحرمان أعدائهم الصين في وقت الحرب، بالإضافة إلى أهمية دول المنطقة في استقرار أسعار النفط كما تبين مؤخرا وخاصة بعد تحالف «أوپيك+»، وإمكانية الخليجيين من زيادة الإنتاج أو تخفيضه والتأثير على أسعاره.
ختاما، رغم اعتبار الولايات المتحدة أن قرار «أوپيك+» الأخير والخاص بتخفيض الإنتاج مليوني برميل يوميا أنه عمل عدائي، إلا أنه وفق المنطق وتحت تأثير التضخم وقلة الطلب كان يجب اتخاذه للمحافظة على سعر عادل للبترول، وبالتأكيد أثبت أن مخاوف ومطالب دول المنطقة يجب أن تؤخذ في الاعتبار من الحليف الأميركي، وإلا كما اتجهت أميركا شرقا بإمكان الخليجيين الاتجاه شرقا أيضا.