قليل هم المسؤولون الذين يغادرون الكرسي ويحمل الناس لهم مشاعر المودة والمحبة.
والأقل حظا هم الوزراء الذين لا يحظون بوداع مشرف إلا ما ندر.
فأغلبهم لا يخرجون من الباب الواسع ولا يتمتعون بالرضا والقبول الشعبي، والأمثلة كثيرة.
ولكن ما حدث مع د.رنا الفارس، بعد أن كتبت تغريدة بعد إعلان اعتذارها عن الاستمرار في العمل الوزاري كان حدثا استثنائيا، لا يحدث كل يوم، ولا يناله كل وزير سابق.
فرغم رغبة رئيس الوزراء استمرارها، وحسب المصادر أنه قد عرض عليها حقيبتي الاتصالات والشؤون الاجتماعية، إلا أنها آثرت الابتعاد بهدوء ورقي دون أن تعلن عن أسباب الاعتذار.
وأكثر من حزن على رحيلها هم الذين عملت معهم في الوزارات التي تسلمتها، وهو دليل على إيمانها بروح فريق العمل، والدماثة والخلق الرفيع والتواضع الذي لم يتأثر في بهرجة المنصب الوزاري.
فكانت حقا أختا للجميع قبل أن تكون وزيرة، وكان ذلك واضحا من طبيعة الردود على تغريدتها.
طبيعة وتيرة الإنجاز في الحقائب الوزارية التي تولتها د.رنا الفارس جامدة، ولا تتحرك بسهولة، كونها مرتبطة أغلبها بمشاريع وعقود غارقة في المخالفات والتأخيرات علاوة على قيود الدورة المستندية والروتين والبيروقراطية.
ولكن رغم كل هذا، ففي وزارة الأشغال نزلت إلى الشوارع للإشراف على فرشها بالأسفلت مع فرق العمل أثناء فترة الإغلاق في «كورونا».
وبدأت العمل في الخطوط السريعة والرئيسية، ثم تلك التي بين المناطق وسيأتي دور الشوارع الداخلية، فبهذه الأولوية سارت د.رنا الفارس ولعل الوقت لم يسعفها في أن تصلح كل ما أفسده الزمن، ولكن الفرق واضح لكل عقلاني بين ما كان في السابق وما حدث لاحقا حتى غادرت وزارة الأشغال.
أما في مشاريع الطرق والجسور فحدّث ولا حرج، فالدائري 6.5 وطرق جنوب السرة وجسور طريق الشاليهات والتي أحدثت فرقا في شبكة الطرق بالكويت.
وفي وزارة الإسكان، ها نحن نرى ونسمع الآن أصوات العمال الممتزجة بضجيج آلات البناء في مدينتي المطلاع وخيطان الجنوبي، وهذا ما لم يكن يتحقق لولاها، بالإضافة إلى رفع الظلم عن المرأة فيما يتعلق بوثيقة المسكن.
أما البلدية، فتحريك المياه الراكدة وفتح باب التعيين في وظيفة محامي البلدية بعد 17 سنة دليل على أنها لم تكن تقبل ببقاء الحال، خصوصا من خلال تشكيل لجان تحقيق فيما يتعلق بالأحكام التي صدرت ضد البلدية.
بالاضافة إلى نزولها الميدان لمكافحة منازل سكن العزاب، ومتابعة مشاكل النظافة وحريقي سوق الخيام والمباركية، وتوطئة وتهيئة توقيع عقد إعادة إعمار المباركية دون أن تتكفل الدولة بدينار واحد.
وفي وزارة الاتصالات، يكفي أن نقول كلمة واحدة (سهل)، أعني بذلك تطبيق «سهل» الذي أغنانا عن الكثير من الاجراءات الحكومية كبوابة لإنجاز المعاملات الحكومية إلكترونيا.
باختصار، وضعت بصمة نجاح في كل وزارة تولت حقيبتها رغم فترات عدم القدرة على العمل بسبب استقالات الحكومات وحكومات العاجل من الأمور ومحدودية الاختصاصات.
برحيل د.رنا الفارس تكون قد ترجلت من صهوة جوادها في الفريق الحكومي لتعود إلى كلية الهندسة لتدريس الطلبة، وسنكون فعلا قد خسرنا وخسر الفريق الحكومي وزيرة نشطة ونظيفة الذمة ودمثة الخلق.
كانت المرأة الحديدة في هذه الألفية تحملت الكثير من الضغوط والإشاعات والانتقادات، ولكنها صمدت وجاهدت واستمرت، وكانت نموذجا لم يتكرر من قبل، ولن يتكرر بعد ذلك.
فالمزيج بين القدرة الفنية والحنكة الإدارية والشجاعة السياسية والتواضع شيء لا يتكرر بسهولة.
باختصار، كسبت راح البال باعتذارها، وخسر الفريق الحكومي برحيلها.
نسأل الله لها التوفيق.
[email protected]