يتمثل النفاق الاجتماعي في تظاهر الشخص بصفات ليست من طبيعته وسجيته وأخلاقه، فيقول ما لا يفعل، ويدعي معتقدات يؤمن بها وهو منها براء، كنحو قول المولى عز وجل: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم .... المنافقون: 4)
والمنافق يروج لسلوكيات لا تمت إليه بصلة، والنفاق حالات من تناقض واختلاف المعرفة، ولقد تفشى النفاق الاجتماعي عندنا بصورة ملحوظة وانتشر انتشارا كبيرا، حتى أصبح سمة عند البعض، علما أن النفاق مثل السرداب المظلم من دخله تاه في ظلماته ولم يستطع الخروج منه، والمنافق يظهر خلاف ما يضمر فيقول بلسانه خلاف ما في قلبه، أفاك كاذب:
يعطيك من طرف اللسان حلاوة
ويروغ منك كما يروغ الثعلب
وعموما فالنفاق الاجتماعي سلوك وعلاقات بين الناس، ولكنه سلوك مشين، ينم عن ضعف شخصية المنافق واضطرابها، فتجد مثلا من ينافق ليتسلق على ظهر غيره، من أجل مصلحته ولكنه في النهاية يقع على أم رأسه، وحبل النفاق مثل حبل الكذب قصير.
وقد روى أبوهريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تجد شر الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه».
ومن أهم أسباب النفاق المصالح الدنيوية والاجتماعية، ولا يصدق هؤلاء المنافقون إلا السذج، وقد تفشت هذه الظاهرة في وسائل التواصل الاجتماعي خاصة، وأصبحت أمرا لا بد منه، يقول المفتي عبداللطيف فتح الله:
وكن رجلا في الناس باطنه يرى
كظاهره حتى تعد نبيها
وإن تختلف في ذاك كنت منافقا
فإن أخا الوجهين ليس وجيها
فما قيمة الإنسان إن قال شيئا وفعل شيئا آخر، مثل الطبيب الذي يصف الدواء للناس وهو الذي بحاجة للعلاج، ولا شك أن المنافق محتال يريد الوصول إلى هدفه بأي وسيلة ولا مانع أن يخضع ويتمسكن، وإن زادت المجاملة عن حدها دخلت في نفق النفاق، وهي كذب على الذات وارتداء عباءة الذلة وإهانة للنفس، روي أنه لما بايع معاوية لابنه يزيد في ولاية العهد جعل الناس يسلمون على معاوية ويميلون إلى يزيد، حتى جاء رجل ففعل ذلك ثم رجع إلى معاوية فقال له: يا أمير المؤمنين، اعلم أنك لو لم تولّ هذا أمر المسلمين لأضعتها، وكان الأحنف بن قيس جالسا، فقال له معاوية: مالك لا تقول يا أبا بحر؟ فقال: أخاف الله إن كذبت وأخافكم إن صدقت، فقال له معاوية: جزاك الله عن الطاعة خيرا، وأمر له بمال، فلما خرج الأحنف لقيه ذاك الرجل فقال له: يا أبا بحر، إنهم استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال، فلسنا نطمع بها إلا بما سمعت، فقال الأحنف: يا هذا أمسك عليك لسانك فإن ذا الوجهين خليق بألا يكون عند الله وجيها، والحق أنه لا خلاص من هذه العادة السيئة إلا بالرجوع إلا الله وأن يخاف المرء الله في نفسه، ويعلم تمام العلم أن المنافق في الدرك الأسفل من النار، ودمتم سالمين.