قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني إن عائدات السندات في معظم الأسواق العالمية خلال سبتمبر تجاوزت المستويات المرتفعة التي شهدتها في يونيو الماضي، لتسجل أعلى مستوياتها على مدار عدة سنوات.
وشهدت الأسواق عمليات بيعية مكثفة لمعظم الأصول المالية، بما في ذلك السندات السيادية الرئيسية، نظرا لاستمرار ارتفاع معدلات التضخم، ورفع أسعار الفائدة بمعدلات هائلة، والنبرة المتشددة لمعظم البنوك المركزية الكبرى.
إضافة إلى ذلك، ساهم ضعف العملات العالمية مقابل الدولار الأميركي في زيادة الضغوط التضخمية المستوردة (الطاقة والسلع الأخرى ذات الصلة بصفة رئيسية)، ما أدى إلى الإبقاء على توقعات رفع أسعار الفائدة في العديد من الأسواق دون تغيير.
ونتيجة لذلك، فقد تحافظ عائدات السندات على مستوياتها المرتفعة حتى يتراجع تضخم أسعار المستهلكين بشكل مقنع و/ أو تغير البنوك المركزية مسار تشديد السياسات النقدية مع تدهور الأوضاع الاقتصادية.
وعكست عائدات السندات الخليجية لحد كبير أداء نظيراتها العالمية، إذ اتبعت البنوك المركزية في المنطقة خطى مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وقامت برفع معدلات الفائدة المحلية، مع اتباع الكويت نهجا أكثر اتزانا من البنوك الإقليمية الأخرى.
وفي ذات الوقت، تراجعت قيمة إصدارات أدوات الدين الخليجية إلى 11.1 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2022 مقابل نحو 14.7 مليار دولار في الربع الثاني و18.3 مليار دولار في الربع الأول من نفس العام، ومعظمهما من السندات والصكوك السيادية القطرية والسعودية والإماراتية، لتبلغ إجمالي إصدارات 9 أشهر إلى 44.1 مليار دولار.
وقد يستمر الأداء المتواضع لإصدارات أدوات الدين الخليجية الذي شهدناه مؤخرا في الأسواق الإقليمية خلال الأرباع القادمة نظرا لتحسن أوضاع المالية العامة (بفضل ارتفاع أسعار النفط) بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض.
عائدات السندات الخليجية
ارتفعت عائدات السندات السيادية متوسطة الأجل في دول مجلس التعاون الخليجي بالاتساق مع أداء الأسواق العالمية، بنمو تراوح ما بين 78 و130 نقطة أساس خلال الربع الثالث من العام. كما انعكس انخفاض سعر النفط بنسبة 23% في الربع الثالث من العام على أداء السندات الخليجية، إذ شهدت الدول الكبرى المنتجة للنفط في المنطقة ارتفاع عائدات سنداتها بمستويات أعلى (الرسم البياني 3 و4). وقفز العائد على السندات السيادية لقطر أجل استحقاق 2026 بمقدار 130 نقطة أساس، يليها السندات السيادية لأبو ظبي أجل استحقاق 2027 بمقدار 109 نقطة أساس. كما سجلت عائدات السندات السيادية الكويتية استحقاق 2027 نموا قدره 103 نقاط أساس خلال الربع الثالث من العام. من جهة أخرى، كان أداء السندات السيادية لسلطنة عمان والبحرين أفضل، إذ بدا أن فروق ارتفاع العائدات مقارنة بالسندات الخليجية الأخرى قد تقلصت خلال هذا الربع. وقامت وكالة فيتش مؤخرا برفع التصنيف الائتماني السيادي لسلطنة عمان إلى «BB» (مع نظرة مستقبلية مستقرة) من BB- مشيرة إلى التحسن الهائل الذي شهدته المؤشرات المالية والاقتصادية للبلاد. أما بالنسبة للبحرين، فنجد أن نهج تعزيز الإيرادات، بما في ذلك زيادة ضريبة القيمة المضافة لتصل إلى 10% في وقت سابق من العام الحالي، إضافة للتأثير الإيجابي غير المباشر الذي انعكس عليها نتيجة نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للسعودية، قد ساهم في تحسين الوضع المالي.
كما رفعت البنوك المركزية الخليجية أسعار الفائدة الرئيسية في إطار استجابتها لرفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لمعدلات الفائدة. إذ قامت كل من السعودية والإمارات برفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس خلال الربع الثالث من العام الحالي، في خطوة مماثلة لتحركات الاحتياطي الفيدرالي، في حين اتخذ بنك الكويت المركزي نهجا تدريجيا برفعه سعر الخصم بمقدار 25 نقطة أساس من خلال ثلاثة تحركات منفصلة (الرسم البياني 5). وساهم رفع الكويت لسعر الخصم بوتيرة تدريجية في دفع فروق أسعار الفائدة، التي كانت دائما ايجابية مقارنة بالسعودية والإمارات والولايات المتحدة، إلى منطقة سلبية.
وتواصل عائدات السندات الخليجية تتبع الأسواق العالمية، وقد ترتفع في الأشهر المقبلة، في ظل ارتفاع معدلات التضخم وإمكانية رفع أسعار الفائدة مرة أخرى. إلا أنه نظرا لاستمرار ارتفاع أسعار النفط والتحسن الكبير الذي تشهده أوضاع المالية العامة على مستوى المنطقة، فقد يحد ذلك من إمكانية زيادة العائدات بوتيرة حادة، نظرا لتراجع الاحتياجات التمويلية.
تراجع الإصدارات الخليجية
تراجعت قيمة إصدارات أدوات الدين المحلية وسندات اليوروبوند (بالدولار الأميركي) في دول مجلس التعاون الخليجي إلى 11.1 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2022 مقارنة بنحو 14.7 مليار دولار في الربع الثاني من نفس العام. وبلغت قيمة أدوات الدين مستحقة السداد على دول مجلس التعاون الخليجي 601 مليار دولار بنهاية الربع الثالث من عام 2022، بانخفاض هامشي مقارنة بالربع الثاني من العام. وقد يعزى انخفاض قيمة الإصدارات الجديدة إلى ارتفاع تكاليف خدمة الدين، وانخفاض الاحتياجات التمويلية لسد العجز نظرا لارتفاع أسعار النفط والالتزام بالإصلاحات المالية متوسطة الأجل. ويبدو أن معظم الإصدارات السعودية هذا العام تتعلق بعمليات إعادة التمويل وفقا لخطة الاقتراض السنوية للمركز الوطني لإدارة الدين السعودي. واستحوذت الإصدارات السيادية من قطر والسعودية والإمارات على النصيب الأكبر من إصدارات الربع الثالث من عام 2022.
وأصدرت حكومة الإمارات سندات مقومة بالدولار بقيمة 3 مليارات دولار على شريحتين، الأولى لأجل 10 سنوات والثانية لأجل 30 عاما. كما واصلت السعودية برنامج الصكوك المحلية من خلال إصدار صكوك جديدة بقيمة 2.1 مليار دولار، مقابل 8.1 مليارات دولار في الربع الثاني من العام. وطرحت الحكومة القطرية سندات بالعملة المحلية لأجل 3 سنوات بقيمة ملياري دولار، بينما اقترض مصرف البحرين المركزي 530 مليون دولار بالدينار البحريني. وعلى صعيد الشركات، قامت الشركة الوطنية السعودية للنقل البحري (البحري) بطرح صكوك بقيمة مليار دولار بأجل استحقاق 7 سنوات، يليها بنك أبو ظبي التجاري الذي قام بإصدار سندات خضراء بقيمة 500 مليون دولار بأجل استحقاق 5 سنوات.
أما بالنسبة للكويت، فمن المرجح استمرار ضعف إصدارات أداوت الدين السيادية نظرا لعدم إقرار قانون الدين الجديد، والذي من المقرر أن يفسح المجال للاستفادة من أسواق الدين الدولية والمحلية. وقد تم مؤخرا تشكيل حكومة جديدة عقب انتخابات مجلس الأمة، ما عزز آمال تطبيق العديد من الإصلاحات التي طال انتظارها، بما في ذلك إقرار قانون الدين الجديد الذي قد يمهد الطريق لعودة الحكومة الكويتية إلى أسواق الدين لأول مرة منذ عام 2017.