توقع تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الإماراتي هذا العام لأعلى مستوياته المسجلة منذ عام 2016 عند 5.3%، وعلى الرغم من توقع حدوث تباطؤ في عام 2023، إلا أن الأداء الاقتصادي سيبقى قويا على خلفية استفادته من مكانة دولة الإمارات كمركز رائد لأنشطة الأعمال والاستثمارات الإقليمية، وقوة البنية التحتية، والمبادرات الحكومية المختلفة الهادفة لمواصلة الإصلاح الاقتصادي بما يدعم النمو، هذا إلى جانب خططها لزيادة الطاقة الإنتاجية لقطاع الهيدروكربون.
ومن المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي النفطي بنسبة 8.7% هذا العام، ما يعكس سياسة الإنتاج التي أقرتها الأوبك وحلفاؤها وزيادة أقل بنسبة 1.7% في عام 2023، ليصل بذلك معدل إنتاج النفط إلى 3.1 ملايين برميل يوميا بنهاية العام المقبل، وأفادت بعض التقارير بأن شركة النفط الحكومية أدنوك تقدمت بخطط لتسريع وتيرة زيادة طاقتها الإنتاجية إلى 5 ملايين برميل يوميا (من 4 ملايين برميل يوميا في الوقت الحالي) في عام 2025 بدلا من الهدف الذي تم الكشف عنه سابقا لعام 2030، ما يعكس الرغبة في تحرير رأس المال والاستفادة من احتياطيات النفط والغاز بسرعة أكبر قبل تحول نظام الطاقة العالمي، كما سيوفر تسريع برنامج الاستثمار الذي تصل مدته إلى خمس سنوات بقيمة 127 مليار دولار (والذي يغطي قطاعي الاستخراج والتكرير) فرصا جيدة لتحسين آفاق النمو على المدى المتوسط.
في الوقت ذاته، انتعش الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في فترة ما بعد جائحة كوفيد-19 بتسجيله نموا بنسبة 8.8% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2022، ما أدى الى تخطي معدلات الإنتاج مستويات ما قبل الجائحة. وعلى الرغم من أن هذا الأداء القوي قد لا يستمر، فإن قراءة مؤشر مديري المشتريات شهدت اتجاها صعوديا هذا العام، ووصل إلى أعلى مستوياته المسجلة في ثلاث سنوات عند مستوى 56. 7 في أغسطس، مما يشير إلى نمو قوي على الرغم من تباطؤ أوضاع التصدير. وتشمل العوامل الداعمة لهذا النمو انتعاش قطاع السياحة، والانعكاسات الإيجابية غير المباشرة لبطولة كأس العالم لكرة القدم التي تستضيفها قطر، وارتفاع الطلب على العقارات، وتحسن أسعار النفط. وتشير التقديرات لتسجيل القطاع غير النفطي نموا بنسبة 4% هذا العام. ويشير عدد من العوامل إلى إمكانية تباطؤ وتيرة النمو في عام 2023، من ضمنها تباطؤ النمو العالمي، وانخفاض أسعار النفط (مع أنها مازالت تعتبر مرتفعة) وارتفاع أسعار الفائدة، وذلك على الرغم من أن توقعات سيناريو الأساس تشير الى تسجيل نمو بنسبة 3.4%. وتشمل مبادرات السياسة الاستراتيجية الرئيسية التي تحرك التوقعات على المدى المتوسط «سياسة الاقتصاد الدائري» 2021-2031 لتشجيع الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، و«الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الرقمي» التي تهدف إلى مضاعفة نسبة إسهام الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 19.4% خلال العشر سنوات القادمة، و«مشروع 300 مليار»، والتي تهدف إلى رفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 300 مليار درهم بحلول عام 2031 خاصة من خلال دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.
تراجع مؤشر أسعار المستهلكين وأسعار العقارات السكنية العام المقبل
ساهم الطلب القوي واضطرابات سلاسل التوريد وارتفاع أسعار المواد الغذائية والنفط، وانتعاش إيجارات المساكن، في رفع معدل التضخم في دبي إلى 6% على أساس سنوي في أغسطس وبنسبة 4.5% في أول ثمانية أشهر من عام 2022 (لم تتوفر أحدث البيانات على مستوى الدولة ككل). إلا أنه نظرا لتوقعات النمو الضعيفة، وتراجع تكاليف المدخلات، وتزايد قوة الدرهم الإماراتي، وارتفاع أسعار الفائدة (قام البنك المركزي باتخاذ خطوات موازية لسياسات التشديد النقدي التي اتبعها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي حتى الآن هذا العام)، لذا نتوقع أن يتراجع معدل التضخم في المستقبل وأن يصل في المتوسط إلى 3.8% في عام 2022 و3.6% في عام 2023. ولايزال الطلب على العقارات السكنية قويا بالنسبة للعقارات المميزة في ظل تدفق للمستثمرين، خاصة من أوروبا الشرقية، ما ساهم في رفع الأسعار بنسبة 1.8% و10.8% على أساس سنوي في النصف الأول من 2022 في أبوظبي ودبي. وقد يتراجع الطلب العام المقبل مع تلاشي هذا التدفق، وارتفاع أسعار الفائدة وتباطؤ النمو، إلى جانب زيادة العرض (بمتوسط سنوي يبلغ 40 ألف وحدة، أو بنحو 4.3%، في 2022-2023) ما سيسهم في تهدئة سوق دبي وبالتالي زيادة الأسعار بوتيرة أقل. وفي الوقت نفسه، تحسنت وتيرة نمو ائتمان القطاع الخاص إلى مستويات ما قبل الجائحة هذا العام، وكشف مسح البنك المركزي عن تزايد الطلب على القروض المقدمة للشركات ووصوله إلى مستويات قوية في الربع الثاني من العام الحالي، مع تحسن أداء شركات العقارات والبناء بشكل جيد على الرغم من ظهور بعض علامات التراجع في المستقبل.
الفوائض المالية توفر مساحة لزيادة الإنفاق
لاتزال أوضاع المالية العامة قوية، إذ سجلت الحكومة عجزا سنويا بمعدل متواضع نسبيا مرة واحدة فقط (2.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020) خلال فترة الجائحة، ومن المقرر الآن أن تسجل فوائض كبيرة في عامي 2022 (8.9%) و2023 (6.4%). وكان العامل الأساسي الذي ساهم في ذلك التحكم في الإنفاق في ظل تقليص كل من النفقات الجارية والرأسمالية (غير المرتبطة بالأجور) أثناء فترة الجائحة، هذا إلى جانب تعافي أسعار النفط وتنويع الإيرادات، مما حد من سلبيات تقلب الإيرادات النفطية على الميزانية. ونتوقع زيادة الإنفاق بنسبة 5% في المتوسط خلال عامي 2022 و2023، لتغطية الأجور والرعاية الاجتماعية وكذلك الإنفاق الرأسمالي لدعم المبادرات الحكومية. وبصرف النظر عن أسعار النفط التي مازالت مرتفعة، سيتم تعزيز الإيرادات من خلال فرض ضريبة بنسبة 9% على أرباح الشركات والمقرر تطبيقها بدءا من يونيو 2023، مما سينتج عنه تحقيق عائدات سنوية تقديرية تتراوح بين 1.5 و2% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي الوقت ذاته، تعتبر الحسابات الخارجية قوية للغاية، مع استمرار تسجيل الحساب الجاري لفائض كبير، إضافة إلى الأصول المجمعة الضخمة لصناديق الثروة السيادية لكل من جهاز أبوظبي للاستثمار ومبادلة (تقدر بنحو تريليون دولار) كمصدات ضد الصدمات الخارجية.
آفاق النمو والتحديات
وعلى الرغم من هذا التصور الأساسي الذي يعكس توقعات إيجابية على نطاق واسع، فإلا أن هناك بعض التحديات التي تواجه الاقتصاد والتي تتضمن تعرض الإمارات المرتفع نسبيا للتباطؤ الحاد لنمو الاقتصاد العالمي، وتشديد الأوضاع النقدية، وتأثير قوة الدرهم الإماراتي على القدرة التنافسية والاستثمارات الداخلية، وإعادة تمويل ديون الكيانات المملوكة من قبل الدولة، واندلاع التوترات الجيوسياسية الإقليمية. في المقابل، فقد ترتفع أسعار النفط مما قد يعزز من النمو الإقليمي وتزايد معنويات التفاؤل وتوفير المزيد من السيولة.