(200) يوم ويزيد بقليل مرت على حريق أسواق المباركية، ولم تتم إعادة بنائه حتى كتابة سطور هذا المقال، وظل الحال على ما هو عليه، أنقاض هنا وبقايا (صخر) البحر وأخشاب الجندل وحديد متراكم هناك، أزيلت بعضها مؤخرا تمهيدا لعمل شيء ما على ما يبدو.
استبشر خيرا كل من يهمه تاريخ وتراث البلاد وهويته الاجتماعية بخبر تبرع أحد عمالقة المصارف الكويتية لبناء ما دمره الحريق، وهذا بحد ذاته «بشارة خير» وازدان الخبر بصورة جمعت ممثلين عن هذا المصرف والجهة الرسمية المعنية، وكان أبرزها، خبر التوقيع على عقد التصميم والبناء.
أما الجانب الأهم فيه، وطنية المتبرع ودوره في تحقيق المسؤولية الاجتماعية والتاريخية التي سجلت بأحرف من نور بصحيفة أعمال الخير وتقرأه الأجيال القادمة ويعلمون حينها بحريق التهم هذا السوق وتبرع هذا المصرف بإعادة بنائه، بعد هذا الخبر المفرح بالتبرع لبناء السوق، اشتدت المخاوف فارتجفت المشاعر حزنا وضاقت صدور مستأجري هذا السوق من الذين توارثوا محلاتهم عن أجدادهم عبر سنوات تخطت المائة عام، فتركزت هذه المخاوف من عدم عودة محلاتهم اليهم بعد إعادة بنائها، خاصة وأنهم يتأملون خيرا باستردادها لاعتبارات أهمها:
٭ ان أولويتهم مستحقة عن غيرهم، خاصة تمسكهم بها على مدى قرن من الزمن ويزيد، ليس لمردودها المادي فقط وإنما للعلاقة الوجدانية والتاريخية والتجارية التي تربطهم بهذه المحلات التي نشأوا بظلالها وتحت أسقفها وبين أزقتها وامتزجت مواد بنائها بأصواتهم وصراخ ولعب أطفالهم ومراحل نشأتهم.
٭ صمود وكفاح مستأجري هذا السوق عندما حل الركود الاقتصادي وتدهور (البيع والشراء) فغادر العديد من أولئك الذين لم يستطيعوا البقاء لأسواق أخرى، فتحدى الصامدون منهم كل الصعاب فدفعوا ثمنا للمحافظة على الشكل الجمالي للأجزاء والمواد التاريخية القائم عليها هذا السوق، وتاريخ عريق صمد بوجه الزمان وتقلباته (كارثة الغزو) حتى بقي السوق شامخا لسنوات طوال كأيقونة الأسواق التاريخية، رصعت جدرانه ببصمات رجال الكويت وصدى صرخات الهول واليامال تتردد بين أزقتها، يقدم لزوار الكويت وكل عاشق لتراب وتراث الوطن صورة قل مثيلها لتاريخ وهوية كويتية خالدة وصفحة من صفحات الماضي التليد.
٭ عدم عودة السوق بحلته وشكلة وتصميمه التراثي الذي كان عليه - وإن كان مزيفا - وسيطرة ألوان الحداثة والتطوير العمراني - وفق ما يتردد عبر وسائل التواصل.
٭ طرح المحلات للاستثمار للعامة وتجاهل حق الأولوية لأصحابها القدماء.
٭ تغيير الأنشطة التقليدية التجارية التي أشتهر وامتاز بها السوق قبل نشوب الحريق.
٭ طمس مكانة السوق التراثية بحجة تطويره وفق متطلبات ما يسمى بالحداثة ومواكبة التغيير العمراني! مخاوف تشتد وأمل في الأفق يلوح وتفاؤل بالخير يهل.