بيروت ـ عمر حبنجر
رغم وصول اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل الى مستقرها الأخير في الأمم المتحدة، فإن الجدل لم يهدأ حول جنس هذه الاتفاقية، هل هي معاهدة سلام، أم مجرد رسالة تفاهم حدودية تقنية عديمة الأثر السياسي؟ وهل تشكل اعترافا ضمنيا من جانب لبنان بدولة اسرائيل كما يعتبرها الاسرائيليون؟ أم مجرد تطوير لاتفاق هدنة 1949، لتشمل البحر بعد البر؟
ورغم تشديد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على ان الترسيم ليس معاهدة دولية، ولا ينطوي على تطبيع او اعتراف بإسرائيل، الا ان ترحيب ومباركة الأطراف الدولية كافة يقول خلاف ذلك، ولعل ما قاله الرئيس الأميركي جو بايدن هو الأكثر موضوعية وتصويرا للواقع، اذ اعتبر ان الاتفاق «وفر الأمن والاستقرار لاسرائيل والمنطقة»، ومن يوفر الأمن والاستقرار غير السلام، الذي يجعل من سلاح المقاومة بلا جدوى؟ وبالتالي يضع الجميع أمام مرحلة جديدة، لا إحراج فيها لحزب الله، ولا دور أو مبرر لسلاحه.
إلا أن ثمة ثغرات شابت هذا الملف، أبرزها غياب ممثل للجيش عن «حفل» تبادل الرسائل الموقعة في الناقورة، ويرد البعض ذلك الى حرص قائد الجيش العماد جوزاف عون على النأي بالجيش عن هذه المعمعة، ومن الثغرات عدم انشاء «الشركة الوطنية للنفط والغاز»، والصندوق السيادي، وهذا ما أشار اليه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بقوله: «كأننا أمام هندسات مالية إضافية مصيرها الضياع والهدر، بين أيدي سلطة عرفت بمهد الفساد..» في اشارة الى الهندسات المالية لحاكم المصرف المركزي رياض سلامة.
وأمام توسع اسرائيل في تفسير الاتفاق، على أنه اعتراف لبناني بها، سارع الرئيس ميشال عون الى نفي أي مدلول سياسي للاتفاق، وواكبه الأمين العام لحزب الله، بنفي أي تطبيع مع العدو، في وقت أعلن فيه انتهاء مهمة المقاومة في هذا الملف.
الرئيس عون وفي حديث لقناة «ال بي سي» مساء الخميس، أتبعه بدردشة وداعية مع اعلاميي القصر الجمهوري أمس، فضلا عن مقابلة مع قناة المنار مساء امس، اعتبر ترسيم الحدود بمنزلة هدية للبنانيين، لربما تعويض عن سنوات عهده المالحة، معلنا ان الساحة الجنوبية أصبحت مستقرة ولن تكون مصدر عنف، وقد وقعنا اتفاق ترسيم الحدود لمنع الحرب، وطمأن الى ان الأموال التي ستأتي من الشركات النفطية ستعود للصندوق السيادي.
وتوجه الى الرئيس نجيب ميقاتي قائلا: «الحكومة الحالية لا تتمتع بثقة مجلس النواب، وبالتالي لا يمكنها أن تحكم، وأنا على وشك توقيع مرسوم قبول استقالتها».
الرئيس ميقاتي رد على كلام عون بقوله: «الدستور هو الحكم والفصل في كل القضايا، وأما ما تحدث عنه فخامته من مسائل خاصة، ووقائع مجتزأة ومحرفة او غير صحيحة، وسأكتفي بالقول بأسف: «أحيانا تخون الذاكرة كبارنا فتختلط الوقائع بالتمنيات، والتمنيات بالأوهام».
وردا على ما تناول به الرئيس عون، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في موضوع الصندوق السيادي، غرد النائب بلال عبدالله قائلا: «تعليقا على بعض الكلام الذي سمعناه البارحة، والمتفلت من كل منطق وحقيقة، فإن الاستنتاج الوحيد الصارخ يؤكد أن الكوليرا السياسية، هي أشد خطورة من الكوليرا الجرثومية، لأن الوقاية والأمصال قد تعالج الثانية، اما الأولى، فلا وقاية منها، ولا علاج ينفع. ويبقى الطائف!!!».
واقع الحال ان الرئيس عون، أطلق سلسلة «صليات» نارية باتجاه الرؤساء بري وميقاتي، متناولا اخراج لبنان من الحفرة التي أوقعه هو بها. فنفض يده من الصفقات، ومن وضع اليد على كل المؤسسات وتجييرها لوريثه السياسي جبران باسيل، متغاضيا عن اعترافه بإيصال لبنان الى جهنم. ولم يسلم خلفه بلدا افضل مما تسلمه كما وعد.
وبمناسبة الاشارة الى «الصفقات»، ذكرت صحيفة «النهار» البيروتية أمس، ان أشخاصا محظيين، عمدوا الى رد مبالغ مالية الى أصحابها من فلسطينيين وسوريين وعراقيين، بعد عدم التمكن من تمرير مرسوم تجنيسهم، بسبب رفض رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية القاضي بسام مولوي توقيعه.
وعلى صعيد الاستحقاقات الدستورية، يبدو ان تشكيل الحكومة ما زال في ضمير الغيب، أما حلة رئاسة الجمهورية، فليست جاهزة بعد، وقد يتم تفصيلها في الحوار الذي يحضر الرئيس بري لاطلاقه الثلاثاء او الاربعاء والتهيئة لتسوية سياسية، كما تتوقع اذاعة «صوت لبنان» بهدف تقصير مدة الفراغ المقبل او أبعد من ذلك، مع العلم ان الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين حذر من اي خرق لاتفاق ترسيم الحدود البحرية، مشيرا الى الانتخابات التشريعية المقبلة في اسرائيل والرئاسية في لبنان، حيث قال: الاتفاق يجب ان يستمر بغض النظر عمن ينتخب رئيسا في لبنان وفي اسرائيل.
وقد اعترض الرئيس عون على دعوة بري، لطاولة الحوار في عين التينة، وقال في حديثه لقناة «ال بي سي»: يحق للرئيس بري ان يتشاور مع الكتل النيابية، وليس ان يدعو للحوار، وحتى ان انتهت ولايتي الرئاسية، فلا يحق له أن يحل مكان رئيس الجمهورية.
في هذا الوقت، استقبل الرئيس ميقاتي النائب في البرلمان الألماني بول زيماك على رأس وفد من لجنة التعاون البرلماني والاقتصادي الألماني، في حضور سفير ألمانيا في لبنان اندياس كيندل.
وخلال اللقاء، اكد الوفد «الأهمية التي توليها ألمانيا للبنان في موضوع سياسة الجوار».
وأبلغ رئيس الحكومة عن التحضيرات الجارية لعقد مؤتمر برلماني لبناني- ألماني مشترك في برلين مطلع العام المقبل، يتناول موضوع الإصلاحات والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي بين البلدين.