بيروت - عمر حبنجر
الساعة الثانية عشرة، ظهر أمس الأحد، غادر الرئيس ميشال عون مكتبه في القصر الجمهوري في بعبدا، متأخرا ساعة عن الموعد الرسمي للمغادرة، ربما لاستكمال الحشد أو لمصادفة تأخير الساعة حسب التوقيت الشتوي في لبنان الذي بدأ تطبيقه اعتبارا من أمس.
وخاطب مناصريه المحتشدين في باحات القصر الرئاسي ممن أمضى معظمهم ليلته داخل خيام نصبت في محيط القصر، قائلا: «إنه يوم عظيم، ليس يوم وداع، بل ان النضال سيستمر معكم لتخليص لبنان من أزماته».
وقال: اليوم صباحا وجهت رسالة إلى مجلس النواب وفق صلاحياتي الدستورية ووقعت مرسوم استقالة الحكومة واليوم نهاية مهمة وليس وداعا وهو لقاء كبير «رجعنا من الحجر إلى البشر».
وأضاف عون: أنتم معي وأنا معكم.. اليوم تنتهي مرحلة لتبدأ مرحلة أخرى تحتاج للنضال، والبلد مسروق وعلينا أن نقوم بالكثير من العمل والكثير من الجهد لكي نقتلع الفساد من جذوره، مؤسسات الدولة مهترئة لأن القيمين عليها خائفون من عصا تهددهم، وقمنا بتدقيق مالي ولكن لم يبتّ فيه في القضاء، ولم نتمكن من إيصال حاكم مصرف لبنان إلى المحكمة فمن يحميه ومن شريكه؟ وكلهم في المنظومة الحاكمة منذ 32 سنة وقد أوصلونا إلى هذه الحالة والبلد بحاجة إلى إصلاح لكي يعيش.
وقال: الدولة لا يمكن أن تقوم إلا على عمودين هما الأمن والقضاء، وأبرياؤنا في السجن لأن رئيس مجلس القضاء لا يريد تعيين من ينظر في قضيتهم.
وفي منزله في «الرابية» استقبل الرئيس عون بالطبل والزمر والأهازيج الشعبية.
ويقول مدير عام المراسم والعلاقات العامة في القصر الجمهوري نبيل شديد: إن الإجراءات البروتوكولية في القصر تبقى نفسها حتى منتصف ليل اليوم الاثنين، وتغلق الأماكن المتعلقة بإقامة الرئيس وتبقى المديرية العامة لرئاسة الجمهورية قائمة، ويكون القصر جاهزا لاستقبال الرئيس الجديد وينكس العلم على سارية القصر.
وهكذا ينتقل قصر بعبدا من الفراغ الذي حمل العماد عون إليه عام 2016، إلى الفراغ الذي سلمه إليه، بعدما فرضت الأوراق البيضاء والأسماء الرمزية، للثنائي الشيعي والتيار العوني، تعطيل جلسات انتخاب الرئيس الجديد.
لقد عاد عون إلى منزله في الرابية بمواكبة احتفالية من مناصريه، وعلى سبيل رد الاعتبار، بعد الانتكاسات التي مني بها مع فريقه الحاكم، خلال السنوات الـ 6 التي أمضاها في بعبدا، وانتهت «بسواد لون الجحيم»، حسب توصيف إذاعة «صوت لبنان» الكتائبية التي أضافت: عون من قصر بعبدا إلى «قصر» الرابية رئيسا الى يوم واحد، وانتظارات الجمهورية وشعبها انتهت عند وعود بقيت أوهاما وهزيمة مؤكدة للشعب والوطن.
رئيس «حزب الكتائب» سامي الجميل قال في تغريدة، عبر «تويتر»: توقيع مرسوم استقالة حكومة مستقيلة حكما وتصرف أعمال منذ 6 أشهر «عشنا وشفنا..».
وكان تردد أن الرئيس عون وقع مرسوم استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، قبل مغادرة القصر، وإنه تريث في الإعلان عنه إلى ما بعد خروجه تحسبا من تعكير الأجواء، لكنه عاد وأعلنه على الجمهور مباشرة أمام القصر.
النائب السابق إدمون رزق وصف توقيع مرسوم الاستقالة «بالخيانة العظمى».
ورد النائب ابراهيم كنعان، أمين سر «تكتل لبنان القوي» بالقول: «المرسوم له قيمة والرئيس يحث المعنيين على وجوب تشكيل حكومة، وكذلك انتخاب رئيس وهذا الموقف يشكل قوة دفع لانتخاب رئيس الجمهورية».
لكن الخبير الدستوري الدكتور سعيد مالك شدد على ان الفقرة الخامسة من المادة 53 من الدستور أناطت برئيس الجمهورية صلاحية توقيع مرسوم قبول الاستقالة ومرسوم التكليف والتأليف رزمة واحدة، أما إذا وقع الرئيس المرسوم قبل انتهاء الولاية فهذا لا يغير في الواقع الدستوري في شيء، إذ لا مفاعيل دستورية لهذا المرسوم، كونه له مفعول إعلامي، وليس إنشائيا، وستبقى حكومة تصريف الأعمال تصرف الأعمال بالمعنى الضيق، حتى صدور مراسيم الحكومة الجديدة، وسيبقى الوزراء في وزاراتهم وسيبقى باستطاعة رئيس الحكومة المستقيلة الاجتماع، في حال الضرورة، لمواجهة اي تطور يستجد، وتعتبر جلسة الحكومة منعقدة أصولا في حال تجاوز الحضور ثلثي الأعضاء، أي 18 وزيرا.
ويشار هنا إلى أن نواب تحالف «حزب الله» - «التيار الحر» وحلفائهما يقارب الـ 10 وزراء، أي ما يزيد على الثلث.
ولاحظت المصادر أن «حزب الله» شارك في الوداع الاحتفالي للرئيس عون، وقد ظهرت أعلام «الحزب» إلى جانب أعلام «التيار» في باحة قصر الرئاسة في بعبدا.
وسائل الإعلام الإذاعية والمتلفزة، تناولت انتهاء ولاية الرئيس عون بمسحة من الفرح والابتهاج، حيث قناة «الجديد» قالت: لا أسف على عهد بدأ قويا، وانتهى لا حول له ولا قوة، ونسبت إلى رئيس «التيار» جبران باسيل قطع خطوط التواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ثم مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعدما كان شريكا مضاربا معهم في مغانم الفساد وتوزيع الحصص.
بدورها قناة «إن بي إن»، الناطقة بلسان الرئيس بري وحركة «أمل»، شنت حملة كلامية جارحة على العماد عون ختمتها بالقول: «ارحل يا خازن جهنم غير مأسوف عليك، وخذ معك الحاشية، وصهرك.
فالبلاد صارت حافية ولا أحد يريد أن «يتفركش» بجبران، خذه وارحل غير مأسوف عليك وعليه..».
النائب طوني سليمان فرنجية، وردا على سؤال، قال: لا تعليق لدينا على نهاية عهد عون، والصورة الرئاسية ستتضح في الأيام المقبلة، والنائب الكتائبي الياس حنكش اعتبر ان فشل عهد عون فشل لحزب الله الذي أوصله إلى الرئاسة، في حين دعا النائب العوني جورج عطالله الآخرين إلى أن «ينتظروا منا الكثير».
في غضون ذلك، سجل تمزيق صور الرئيس عون في ساحة ساسين بعد رحيله من قصر بعبدا. وشوهدت سيدات يهتفن ان صور الشهداء هي من يجب ان تعلق وليست صور عون.