- نعاني من ضعف القيادات في أغلب المؤسسات وافتقارها للمتخصصين.. و مخرجات عموميات الأندية والاتحادات غير مرضية وليست حقيقية
- الاحتراف الجزئي «نظام هجين» بين الهواية والاحتراف ولن يوصلنا إلى شيء مطلقاً.. و التطور الرياضي يتطلب تعاون وتناغم جميع مؤسسات الدولة
- الرياضة تُدار بعقلية قديمة وتُقدَّم كخدمة مجتمعية وليست كصناعة مستقلة.. ونحتاج إلى زيادة عدد الأندية وتقليص الألعاب فيها فكرة مدمرة
- القطاعات المختلفة للدولة لا تستطيع المساهمة في تطوير الرياضة وتعمل بطريقة فردية.. و تجاذبات الأقطاب الرياضية أرجعتنا 50 عاماً إلى الوراء
- الاحتراف الكلي أُجهض بفكرة مؤقتة استمرت 7 أعوام متتالية!
- الاتحاد المدرسي خطوة في الاتجاه الصحيح.. والمواهب الصغيرة أمل المستقبل
- سوء الإدارة في الأندية والاتحادات وراء تراجع الرياضة في جميع مجالاتها
- يجب إلغاء شرط «يقرأ ويكتب» للترشح لعضوية مجالس إدارات الأندية والاتحادات
هادي العنزي
لاتزال رياضتنا الفتية تدور في دائرة مغلقة، بين رؤية هنا واستراتيجية هناك، وآمال معلقة، وأحلام افتقدت الواقع فأضحت «من رابع المستحيلات»، وبين هذا وذاك نمضي بخطى مرتبكة متعثرة، في عالم «رياضي» تحول منذ عقود مضت من ترفيه إلى صناعة متكاملة قائمة بذاتها، تعتمد معايير فنية عالية الدقة، وتتخذ من النهج العلمي المدعم بالدراسات الميدانية منهاجا وطريقة عمل، حتى أصبح الفارق شاسعا بين من يعتمد «الهواية» طريقا، ومن واكب التحولات الرياضية العالمية الكبيرة، وانتقل بسلاسة إلى عالم الاحتراف المتكامل، فتقدم علينا بمراحل بعدما كنا في الطليعة.
«الأنباء» اتجهت إلى أحد أهل العلم والاختصاص، والبحوث الأكاديمية المعتمدة، أستاذ الإدارة الرياضية د.عبدالله الغصاب، في حوار مفتوح، لا تنقصه الصراحة، عن أبرز العقبات، وأفضل سبل التطوير، والخطوات الأولى لخارطة طريق
تضمن لحاق ركب الرياضة الكويتية بقريناتها في الدول الشقيقة والصديقة.
بداية، كيف تنظر الدولة للرياضة؟ وهل أصبحت أكثر عمقا عما كانت عليه في العقود السابقة؟
٭ في البداية العالم في تطور وتقدم دائمين، ونحن جزء من هذه المنظومة العملاقة، وأصبحت النظرة مختلفة للرياضة عما كانت عليه سابقا، نظرا لتداخلها مع مجالات أخرى مهمة، لكن لاتزال الدولة تنظر إلى الرياضة بعقلية قديمة، وتقدمها كخدمة وليس كنهج راسخ، أو صناعة مستقلة كما يجب أن تكون، كما لم يتم تحديد الهدف المطلوب من الرياضة، بالإضافة إلى أنه ليست هناك رغبة واضحة للوصول إلى مستويات متقدمة قاريا أو عالميا، وهذا لعله يرجع إلى جوانب سياسية، واجتماعية، واقتصادية.
وعند الحديث عن الرياضة بمفهومها الأعم الأشمل نجد أن قطاعات الدولة المختلفة ليست قائمة بدورها، كما انها لا تستطيع القيام به في الوقت ذاته، مما تمخضت عنه حالة من التراجع المستمر، في حين تشهد تطورا ملموسا لدى العديد من الدول، الرياضة اليوم لا تستطيع أن تقوم بدورها دون التعاون والتكامل بين الجميع، القطاع الخاص ووزارات الدولة المختلفة والقطاع الأهلي، وما نشهده واقعا أن الجميع يعمل بطريقة فردية، فلا توجد رؤية موحدة شاملة للدولة في كيفية العلاقة بين المؤسسات الحكومية، والقطاع الخاص، والرياضية الأهلية (الأندية)، وبما يسهم في خلق حالة من التناغم البناء والانسجام المثري الموصل إلى التكامل، وهذا يرجع إلى التدخل الحكومي المباشر، وضعف القيادات الإدارية في أغلب المؤسسات الرياضية، ونتمنى على وزير الإعلام والثقافة ووزير الدولة لشؤون الشباب عبدالرحمن المطيري الاستمرار في تنفيذ استراتيجية الهيئة العامة للرياضة 2022-2028 التي أعلن عنها مسبقا، وأن يستعين بالمختصين في المجال الرياضي، كما نأمل أن تتم الاستعانة بالدراسة التطويرية التي قامت بها شركة ماكينزي، ويجب علينا أخذ هذا الملف بعين الاعتبار، وأخذ ما يناسب رياضتنا وبيئتنا، وأنا متفائل بمستقبل الرياضة.
هل القوانين الحالية المنظمة لعمل المؤسسات الرياضية تمثل عقبة أمام تطور الرياضة الكويتية؟
٭ بكل تأكيد، أساس العمل لأي مؤسسة كانت يتمثل في 3 عناصر، هي: القوى البشرية والقانون والإمكانات المادية، والقوانين الرياضية منذ البدء وجهت لتتيح الفرصة لتولي زمام القيادة في الأندية لمن «يجيد القراءة والكتابة فقط!»، والحال اليوم غير الأمس، وعليه فنحن بحاجة ماسة لقوانين رياضية جديدة كليا، لا تعالج حالات فردية، وإنما تعالج الخلل التشريعي جذريا، وهناك الكثير من القوانين الرياضية تحتاج إلى تغيير كلي لمثالبها المتعددة، أو لعدم مواءمتها واقع الحال، وعلى سبيل المثال كيف لنا أن نسمح بتولي عضو مجلس إدارة في أحد الأندية أو الاتحادات الرياضية لمجرد كونه يجيد القراءة والكتابة ونحن في عصر العولمة، والثورة التكنولوجية، ثم كيف لهذا الشخص أن يدير مؤسسة رياضية متشابكة التخصصات، ويرتبط بها عدد كبير من اللاعبين والأجهزة الفنية والإدارية، ولا نلقي بالمسؤولية على الأعضاء بل على القانون الذي أتاح لهم الفرصة لتولي زمام القيادة الرياضية.
ما أفضل السبل للتطوير؟ وهل حقق الاحتراف الجزئي الأهداف المرصودة لأجله؟
٭ علينا أولا تحديد الهدف من الرياضة، هل المطلوب رياضة تنافسية محترفة، أم المطلوب رياضة من أجل الممارسة المجتمعية؟ فلكل منهما منهاج عمل واستراتيجية خاصة، وبالإمكان أن تسير كلتا الرياضتان (التنافسية والمجتمعية) جنبا إلى جنب، لكن مع ضرورة الفصل بينهما، من حيث القوانين واللوائح المنظمة، لكن واقع الحال يقول بأن لدينا «نظاما هجينا»، وهو ما يعرف بالاحتراف الجزئي، وهذا دمار محتم، فهو لن يوصلنا إلى الرياضة التنافسية المطلوبة، ولا يمثل الرياضة المجتمعية بصورتها الصحيحة، فإما أن تكون محترفا أو هاويا، أما «نصف محترف ونصف هاو»، هذا لن يوصلنا إلى شيء مطلقا، فضلا عن التداخلات الكثيرة في آلية التطبيق، والتي أدت إلى فشله، بسبب سوء الإدارة، كما أنه أجهض الانتقال إلى الاحتراف الكلي، ومن يقل انها كانت خطوة تمهيدية فعليه مراجعة نفسه، فلا توجد مرحلة تمهد لأخرى تمتد لأكثر من 7 أعوام متتالية!
هل تقدم الأندية والاتحادات كوادر متخصصة مؤهلة للقيادة؟
٭ مخرجات الجمعيات العمومية في الأندية والاتحادات غير مرضية وغير حقيقية بذات الوقت، ولعل هذا مرده إلى أن أعضاء الجمعيات العمومية في الأندية مجرد رقم على الورق فقط، فهم لا ينتمون للأندية، ولا يعلمون عنها شيئا، وعليه فإن عملية الاختيار لا تخضع لمعايير الأفضل والأكفأ، مما يتطلب تطوير اللوائح الخاصة بالأندية، ووضع معايير فنية ومتخصصة لاختيار أعضاء مجالس إداراتها، وبما يمكنهم من مواجهة التحديات الإدارية، والاستثمارية، والفنية، والقانونية، وفي المجمل فإن القيادات الرياضية الحالية في الأندية والاتحادات في أغلبها ينقصها الكثير من مقومات النجاح، وتفتقر إلى وجود الكفاءات، فنادرا ما تجد خبرات أكاديمية أو ميدانية فيها، كما لا يوجد استشاريون متخصصون في مختلف الفروع العلمية الإدارية منها والرياضية، أو مكاتب استشارية، كما لا تتم الاستعانة بذوي الخبرات، وهذا يرجع لأسباب كثيرة من بينها المصالح الانتخابية، وغياب الشفافية، وعدم وجود الحوكمة التي تقتضي في بابها الأول الشفافية والنزاهة والعدالة، وهذا الأمر يخالف التطور الذي يستوجب الاستعانة بمختلف الطاقات والاسترشاد بجميع الآراء.
أنشئ الاتحاد المدرسي والتعليم العالي بغرض تهيئة قاعدة رياضية بجميع المحافظات في عدد من الألعاب، كيف ترى هذه الفكرة؟ وهل هناك آليات أخرى أفضل وأكثر حداثة؟
٭ يعد النشاط الرياضي المدرسي، والجامعي، والرياضة للجميع، العناصر الثلاثة الرئيسة للرياضة التنافسية، فالمواهب تحتاج لمكتشف في بادئ الأمر، ومن ثم تأخذ طريقها نحو الصقل والتطور، وهو الدور المنوط بالاتحاد المدرسي حاليا، بينما كان «الكشاف» هو من يقوم بهذه المهمة في سبعينيات القرن الماضي، حيث يعد حلقة الوصل بين الأندية والمدارس، ولعلها خطوة إلى الأمام، تمهد الطريق لعدد غير قليل من المواهب في مختلف الألعاب.
إلام ترجع التقدم الكبير الذي تشهده الرياضة في عدد من دول مجلس التعاون الخليجي؟
٭ الإيمان بأهمية الرياضة من الناحية الاقتصادية، والسياحية، والاجتماعية، كما أن الأمر يرجع إلى القرار بالدرجة الأولى، فعلى سبيل المثال قرار التطوير الرياضي في السعودية كان لدى المستشار تركي آل الشيخ، وتولى الإشراف على جميع مفاصل الرياضة بمختلف تنوعاتها، وبدأت فرق العمل المتخصصة بوضع قرارات جريئة للمصلحة العامة فقط، وبعيدا عن الجمعيات العمومية للأندية وتأثيراتها، واليوم نحن بحاجة إلى قرارات مركزية لا تنظر إلى حالات فردية بالأندية، بل إلى المصلحة العامة، ويجب أن يكون هناك «للديكتاتورية نصيب في العمل».
هل أسهمت التجاذبات التي شهدتها الساحة الرياضية في العقد الأخير بالتأثير سلبا على تطور الرياضة محليا وخارجيا؟
٭ بالتأكيد تأثرت الرياضة سلبا في تجاذبات الأقطاب الرياضية، وأرجعتنا 50 سنة إلى الوراء، بعدما تحولت من شخصية إلى مؤسساتية، وللأسف لدينا حالات أظهرت الرياضة على أنها وراثية الطابع، بينما الرياضة هي للمجتمع بأكمله، وللكويت بشكل عام، واستثمار دورها وأهميتها بإمكانه أن يضع دولة في مصاف الدول المتقدمة، وقد عرفنا في كأس العالم 1982، واليوم العالم بأجمعه يعرف دولة قطر عبر تنظيم كأس العالم.
كيف ترى ما يطرح بشأن تقليص عدد الألعاب في الأندية وحصرها بما لا يزيد على 7 ألعاب فقط؟
٭ هذه الفكرة إذا طبقت ستدمر الرياضة في الكويت، نحتاج لتوسيع القاعدة من اللاعبين، لكي تتسع معها قاعدة الاختيار، واكتشاف المواهب الفذة، وتقليص عدد الألعاب من شأنه أن يظلم العديد من اللاعبين، وفي المجمل عندما يتم طرح مشروع بعينه- أو فكرة ما - يدرس أولا عبر إحصائيات، واستبيانات على شريحة واسعة ومتنوعة من الرياضيين، وتطبيق ميداني، بما يمهد لتكوين صورة متكاملة قبل اتخاذ القرار، لكن للأسف ما سمعنا عنه بهذا الشأن أنه قد تم تداوله بين عدد قليل من الأفراد ومن ثم تم طرح المقترح، وهذا الأمر يحتاج إلى تغيير النظام الأساسي للأندية أولا، ومن المفارقة أننا في وقت يجب أن نتوسع في إنشاء مزيد من الأندية يتم تقليص الألعاب!
746 مليار دولار دخل الرياضة العالمية سنوياً
أكد البروفيسور عبدالله الغصاب، أن الرياضة أصبحت اليوم ركيزة أساسية من أعمدة الاقتصاد الدولي. وأضاف: «تدخل الرياضة حول العالم سنويا ما يقرب من 746 مليار دولار، بحسب إحصائية متخصصة أجريت في العام 2020، حصة الولايات المتحدة الأميركية منها 73 مليار دولار، والمبلغ الإجمالي يعد أكثر من الميزانية السنوية لـ130 دولة في العالم».
البنية التحتية «تعيسة».. وأندية بلا مقرات!
ذكر البروفيسور عبدالله الغصاب، أن البنية التحتية «التعيسة» للأندية تعد أحد أبرز أسباب التراجع الرياضي.
وقال: «نحتاج إلى نفضة» على مستوى البنية التحتية، لنقلها من الوضع المتهالك الحالي، لتصبح على درجة عالية من التقدم والحداثة، ولعل أفضل منشأة رياضية تتماهى مع المعايير العالمية الحديثة هي مجمع الشيخ جابر العبدالله الدولي للتنس، وعلينا الاقتداء بالسياسة الرياضية لدولة قطر فيما يتعلق بالبنية التحتية، وعلينا اتخاذ سياسة الحلول الدائمة منهاجا في عملنا الرياضي، حيث دائما ما تنشأ عن الحلول المؤقتة مشاكل مصاحبة من شأنها إعاقة العمل وعرقلته.
ولك أن تتخيل 5 أندية للمعاقين تتواجد في مقر واحد، فضلا عن تواجد أندية مثل برقان ونادي الرياضات البحرية بلا مقر دائم لها!
الاتحادات الرياضية.. «مظلومة» في تعاطيها مع لاعبي المنتخبات
ذكر أستاذ الإدارة الرياضية عبدالله الغصاب، أن جميع الاتحادات الرياضية مظلومة في تعاطيها مع لاعبي المنتخبات، مبينا ان هناك الكثير من اللاعبين تعثروا دراسيا بسبب انضمامهم للمنتخبات، بل انهم حرموا من دخول الاختبارات النهائية في مواد التخصص، سواء في الجامعة أو الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، وذلك لعدم وجود قانون يحميهم ويضمن حقوقهم.