لا بأس ونحن على أبواب عيد المسيرة الخضراء المظفرة في ذكراها الـ 47 بالمملكة المغربية أن نذكر بأهم المشاريع التنموية والأوراش الكبرى التي شهدتها ربوع المملكة من الشمال حتى الجنوب، وهنا اخترنا أحد الأوراش التي تعتبر ثورة اجتماعية في بلد رفع شعار التحديات والاستباقية في مواجهة كل ما من شأنه أن يشكل حجرة عثرة أمام استمرار موكب التقدم والنمو، ونشر الحماية الاجتماعية.
برعاية ملكية سامية، يتقدم ورش تعميم الحماية الاجتماعية بخطى ثابتة، ويعد هذا المشروع ورشا حقيقيا مخصصا لجميع المغاربة يعكس بأكثر من طريقة الاهتمام الخاص الذي يوليه الملك محمد السادس حفظه الله للقضايا الاجتماعية ولتحسين الظروف المعيشية للمواطنين.
ومن خلال اعتماد ميزانية مهمة، وإحداث إطار تشريعي مناسب وإطلاق مشروع إصلاحي لهيكلة النظام الصحي الوطني، تم استيفاء جميع الشروط لنجاح هذا الورش الذي يمثل نقطة تحول حاسمة على مسار تحقيق التنمية المتوازنة والعدالة الاجتماعية، في عموم المملكة.
وبجهة الصحراء التي تتمتع بمكانة خاصة في قلوب جميع المغاربة وتحظى باهتمام خاص من طرف جلالة الملك، فإن الحكومة ظلت طوال فترة العمل على تنزيل هذا الورش حريصة على توفير الموارد الضرورية لضمان التنزيل السليم، كما أنها اتخذت ما يلزم من تدابير لتضمن في نفس الوقت التوازن المالي لمختلف الأنظمة، واستفادة المواطن بجهة الصحراء كما بباقي الجهات من مختلف خدمات الحماية في أحسن الظروف.
ورش تعميم الحماية الاجتماعية في المملكة المغربية خطوة مهمة ورائدة، من شأنها دعم الاستقرار الاجتماعي للعمال وتمتيعهم بحقوقهم في التغطية الصحية الشاملة.
وتتضح العلاقة بين الحماية الاجتماعية والنمو الاقتصادي والاستقرار بالمغرب من خلال استدامة الحماية الاجتماعية التي من شأنها مقاومة التحديات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية، علاوة على الاستثمار الاجتماعي في النمو الشامل وتجنب إثقال كاهل اقتصاد البلد، مما سينعكس إيجابا على التنافسية واستحداث فرص شغل لفئات كبيرة من المواطنين والطاقات الشابة.
كما سيساهم في إنشاء مجتمع أكثر تضامنا وأقل طبقية، ومن شأن ذلك إعادة الأمل والثقة وحفظ كرامة المواطنين، والعمل على تحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية.
وفيما يتعلق بالفئات المستهدفة فإن هذا المشروع التنموي يستهدف في مرحلة أولى، المزارعين وحرفيي الصناعة التقليدية ومهنييها والتجار، والمهنيين ومقدمي الخدمات المساندة، حيث تم توقيع 3 اتفاقيات تتعلق بتعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، ليشمل 800 ألف من التجار والحرفيين ومقدمي الخدمات المستقلين، و500 ألف من الحرفيين ومهنيي الصناعة التقليدية، و1.6 مليون من المزارعين.
يعد مشروع تعميم الحماية الاجتماعية الذي اعتمده الملك محمد السادس ثورة اجتماعية حقيقية باعتبار المواطن المغربي هو أساس التنمية ويرتكز هذا المشروع على توسيع الحماية الطبية وتعميم التقاعد والاستفادة من التعويض عن فقدان العمل.
ويمر تنزيل هذا المشروع عبر 3 مراحل خلال 5 سنوات، سيتم خلال المرحلة الأولى (2021-2022) تعميم التأمين الإجباري الأساسي على المرض، وتوسيع الاستفادة ليشمل 22 مليون مستفيد إضافي من هذا التأمين الذي يغطي تكاليف العلاج والأدوية، وخلال سنتي 2023 و2024 سيتم تعميم التعويضات العائلية لتستهدف 7 ملايين طفل.
أما المرحلة الأخيرة، وستكون سنة 2025، فتهم توسيع قاعدة المسجلين في أنظمة التقاعد، لتشمل 5 ملايين شخص يمارسون عملا ولا يستفيدون من أي معاش، كما سيتم تعميم الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل، ليشمل 5 ملايين شخص في أفق سنة 2025، من خلال تبسيط شروط الاستفادة من هذا التعويض.
وحسب إحصائيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عام 2018 حول واقع الحماية الاجتماعية بالمغرب، 2.4 مليون شخص يعملون في القطاع غير المنظم لا يستفيدون من التعويضات العائلية، وأن 60% من الفئات النشيطة لا يستفيدون من أي حق في المعاش التقاعدي، بينما بلغت 45.4% من السكان ليست لهم أي تغطية صحية عام 2016.
ويعد هذا المشروع المجتمعي استثمارا في المستقبل يستهدف الرأسمال البشري، وبذلك فإن تعميم الحماية الاجتماعية بمنزلة جواب على التحديات الاجتماعية المستقبلية، ويمثل جهدا كبيرا بغرض الاستعداد الجيد للمستقبل في عالم يزداد فيه الغموض صحيا واجتماعيا، كما أنه يمثل النواة الصلبة للنموذج التنموي الجديد.
وستنعكس آثار هذا المشروع الكبير وتجلياته مستقبلا في ارتفاع الناتج الداخلي للفرد، ومنه الناتج الداخلي الإجمالي للبلاد، وسيرتفع معه الاستهلاك الداخلي، وسينخفض ادخار الأسر المؤسس على المخاوف من نفقات العلاج التي كانت قائمة في غياب التأمين الأساسي عن المرض لدى شرائح واسعة من المجتمع.
[email protected]