يقول رسولنا الكريم عليه افضل الصلاة والتسليم: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، او تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا».
في سنة 1982 كنت اعمل معلما في مدرسة الحريري المتوسطة بنين دوام ثان بعد الظهر، وكان طلاب المدرسة من فلسطين والأردن وسورية ومصر والعراق وباكستان، احد هؤلاء الطلاب في الصف الثالث المتوسط (حاليا السابع) دخل على ادارة المدرسة وأخبرهم بأنه هو المعيل الوحيد لإخوانه الخمسة الصغار، وانه قد فقد والديه، تعاطفت ادارة المدرسة والهيئة التعليمية معه وجمعوا له 150 دينارا لمساعدته.
بعد عدة ايام اكتشفت ادارة المدرسة ان الطالب كذاب وان اباه حي يرزق، استدعت ادارة المدرسة والد الطالب واخبرته باحتيال وخداع وكذب ولده، وطالبته بسداد المبلغ الذي صرفه ابنه.
احتار الأب ماذا يفعل، وكيف يسدد المبلغ؟ علمت بقصة الطالب من المعلمين، وذهبت الى العمارة التي يسكن فيها الأب وأولاده، وكانت متواضعة جدا وتدل على ضيق معيشتهم، اخبرني الاب بموقف ادارة المدرسة وانهم طالبوه بسداد مبلغ 150 دينارا، واستشهد بالآية السادسة من سورة الحجرات (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتهم نادمين).
تعاطفت مع الأب الذي ليس له ذنب فيما حصل من ابنه، واخرجت من جيبي 150 دينارا وسلمتها الى الأب كي يسددها إلى إدارة المدرسة، علما ان راتبي في تلك الفترة كان 250 دينارا.
هذا الموقف ظل حبيسا في قلبي سنين وذكرني به موقف شابلن مع ابنه شارلي واليكم الموقف:
يقول شارلي شابلن: في احد الايام كنت صغيرا، ذهبت صحبة والدي لمشاهدة عرض سيرك في مدينتنا، وفي طابور انتظار شراء التذاكر كانت تقف امامنا عائلة تنتظر دورها لشراء التذاكر وكانوا ستة اطفال والأب والأم، وكان الفقر باديا عليهم من ملابسهم القديمة وان كانت نظيفة، كان الاطفال يبدون فرحا غامرا بانتظار دخول السيرك، وكانوا يتبادلون الأحاديث بشوق عن توقعاتهم وعن الحركات والألعاب التي سيشاهدونها، جاء دورهم لقطع التذاكر، حتى سمعت الأب يسأل بائع التذاكر عن ثمن 6 تذاكر للأطفال وتذكرتين للكبار، فأجاب البائع بالمبلغ، فطلب منه ان يعيد قول المبلغ فلما قال له البائع تلعثم الأب وأخذ يهمس في أذن زوجته بعض الكلمات وهو ينظر الى النقود التي لا تكفي لشراء التذاكر، وهنا اخرج والدي عملة ورقية من فئة العشرين دولارا ورمى بها على الارض وربت بيده على كتف الأب وقال له: لقد سقطت منك هذه النقود، فنظر الرجل طويلا في عيني والدي وقال له: شكرا سيدي، والدموع تترقرق في عينيه قبل أن ينحني ويأخذ العشرين دولارا من الأرض، وكان مضطرا لذلك كي لا يحرج نفسه أمام أولاده الستة ولا يحرمهم من مشاهدة السيرك الذي طالما تمنوه، ما ان دخلت العائلة خيمة السيرك حتى قام ابي بسحب يدي لنخرج من الطابور دون شراء التذاكر، ومنذ ذلك اليوم وانا فخور بوالدي وبما قام به، وكان أجمل سيرك شاهدته في حياتي وان كنت لم أره.
٭ اقرأ واتعظ: التربية بالقدوة هي ارقى انواع التربية، وقديما قالوا: عمل واحد يؤثر في ألف، وأقوال ألف لا تؤثر في واحد، اذا كانت أقوالا من دون عمل.