أصبح المازوت مشكلة المشاكل في سورية لأثره المباشر على مختلف جوانب الحياة. وإلى جانب ندرته التي تفرض على السوريين البحث عن بدائل للتدفئة في الشتاء، فإن تأثيره السلبي يمتد من المواصلات وحتى الزراعة ومن العاصمة دمشق وريفها جنوبا الى الحسكة شرقا.
ويشتكي مواطنون سوريون في ريف دمشق من دفع أجور نقل مضاعفة في أيام العطل. ويتحجج السائقون بعدم توافر مادة المازوت واضطرار السائقين لشرائها من السوق السوداء بأسعار مرتفعة.
ونقلت صحيفة (تشرين) الحكومية عن مواطنين بريف دمشق أنهم يدفعون أجرة مضاعفة يومي الجمعة والسبت، لسائقي السرافيس الذي يتحججون بعدم تزويدهم بالمحروقات أيام العطل.
وقالت الصحيفة إن «سائقين على خط جرمانا مثلا، يتقاضون 500 ليرة وما فوق على الراكب الواحد، ويدعون بأنهم يشترون المازوت بسعر السوق السوداء». في ظل استمرار معاناة المواطنين وغياب الرقابة.
وتتفاقم أزمة المواصلات في دمشق وريفها، رغم الوعود التي أطلقتها الحكومة بتحسين ملف النقل الداخلي بعد البدء بتطبيق نظام التتبع الـ (جي بي إس) على السرافيس والحافلات ومختلف الآليات، إلا أن الأزمة غدت من سيئ إلى أسوأ.
وللمشكة وجه آخر في محافظة الحسكة التي كانت توصف بأنها سلة غذاء سورية، حيث يسعى المواطنون جاهدين لتوفير المازوت لضمان عمل الآليات الزراعية مع بدء التحضير لموسم زراعة الحبوب.
وهذا وجه واحد من أوجه معاناتهم، في ظل ارتفاع نسب الجفاف في المنطقة، وأثره على أصحاب الزراعات البعلية، الذين تعرضوا لخسائر فادحة وديون استنفدت «مدخراتهم من الحبوب والأموال» المخصصة للزراعة، فأصبح العمل في القطاع الزراعي مكلفا جراء ارتفاع أسعار المواد الزراعية، وتضاعف أجور عمليات «الخدمة الزراعية» من فلاحة وتسوية وبذر.
وعلى سبيل المثال يقول إبراهيم الحميد (40 عاما)، وهو مزارع يقيم في ريف القحطانية لموقع «عنب بلدي»، انه يمتلك 12 هكتارا ينوي زراعتها بالقمح، وبلغت أجرة فلاحة الدونم الواحد العام الماضي نحو 2500 ليرة سورية، يطلب أصحاب الجرارات هذا العام مبلغ خمسة آلاف ليرة سورية مقابل فلاحة الدونم الواحد، ما يعني أن فلاحة أرضه فقط ستكلف نحو 600 ألف ليرة سورية.
ويسعى رشيد الصالح (55 عاما)، وهو مزارع من ريف القامشلي الجنوبي، «جاهدا» لتوفير ما تحتاج إليه آلاته الزراعية من مادة المازوت، لضمان عدم توقفه عن العمل فجأة خلال موسم الزراعة الحالي»، بحسب ما قاله لـ«عنب بلدي».
لا يمتلك رشيد أرضا زراعية بمساحة كافية لتأمين دخل لعائلته، لكن لديه جرارا زراعيا مع محراث و«بذارة» و«نثارة»، وغيرها من الأدوات التي لا معنى لها إذا لم يؤمن الوقود اللازم للجرار، معتبرا أن زيادة أسعار المازوت، وخفض المخصصات من قبل «الإدارة الذاتية» الكردية لشمال شرقي سورية، جعل من الصعب «تحقيق ذلك»، ما سيجبره على شراء كميات من المازوت من السوق السوداء بأسعار مرتفعة تصل إلى ألف و500 ليرة سورية لليتر الواحد.
وسيدفع شراء المازوت بأسعار مرتفعة المزارع رشيد إلى زيادة أجرة فلاحة الدونم من الأرض الزراعية، وهذا سيزيد من الأعباء المادية على الفلاحين، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار زيوت المحركات، وأجور الصيانة وقطع الغيار، التي تحسب أسعارها كلها بالدولار في ظل تدهور قيمة الليرة السورية المستمر.
وبحسب ما علمته «عنب بلدي» من عدة مزارعين، فإن «مؤسسة إكثار البذار» التابعة لـ «الإدارة الذاتية» التي يهيمن عليها الأكراد تضع شروطا «صعبة» لقبول التعاقد مع المزارعين، وتزويدهم بالبذار «بالدين» بسعر مدعوم يبلغ 2300 ليرة لكل كيلوغرام، مع 200 كيلوغرام من السماد للهكتار الواحد.