- اللواء الركن م.مساعد خزام الحمدان
ترجع نهضة الأمم ونموها إلى جهود المخلصين من أبنائها، الذين يسعون دائما إلى توحيد مفاهيم مجتمعاتهم، وإيقاظ وعيهم وتحريك هممهم نحو الإصلاح والتجديد، وقدم لنا التاريخ سجلا حافلا من رواده المبدعين، الذين بهم يُحتذى ويُهتدى ويُقتدى، فتركوا لنا إرثا كبيرا زاخرا في الفكر الإستراتيجي الحديث، فكانوا أئمة للهدى ومصابيح الدجى فحققوا مكانة رفيعة في قلوب مجتمعاتهم، ومن هؤلاء الرجال هو الملا ناصر الحنيف المزيعل، رحمه الله تعالى، صاحب الإرادة والطموح، الذي اجتمعت فيه الخصال الحميدة والصفات الفريدة، الرجل العصامي! الذي بنى نفسه بنفسه وتمتع بقدرات فذة، فرسم مسار حياته وارتقى بجهده حتى أصبح من أبرز أعلام الكويت أهمية.
ولد الملا ناصر عام 1917 في قرية الفنطاس حيث تنفس أول أنفاسه بها، مالئا الدنيا بكماله، وشاغلا للناس بأفكاره وإنجازاته، فهو من صفوة رجال القرية التي تفخر بهم، وأحد مؤسسي النهضة العلمية بها.
اتصف الملا ناصر بقوة الشخصية وأسلوبه المميز في فن الخطابة والإقناع، فكان حاد الذكاء، حازما شديد البأس، حافظا لكتاب الله، فدرس على علماء عصره القرآن وعلومه، والفقه وأصوله، وعلم السير، والعربية «فأجادوه»، وأسنده بذلك إلى موهبته الفذة التي أنتجت فيما بعد عالما وفقيها ومؤرخا، فأصبح متعدد المعارف والعلوم، فتصدر مجالس التعليم معلما في مسجد القرية ومدارسها، فأخذ يبث تعاليمه في نفوس طلابه، فتخرج على يديه ثلة من حفظة كتاب الله، واستطاع أن يظهر رجالا تقلّدوا المناصب الرفيعة في الدولة، فحصّن الشباب بالأخلاق الفاضلة، فبنى إنسانا وغذى عقولا (وأنا كاتب المقال تشرفت بالصلاة خلفه).
لقد حقق الملا ناصر دورا فاعلا ومنهجا واضحا في التطوير من خلال وضع الأسس والمبادئ والتنظيم، فأسهم في إرساء القواعد المثلى وروح التجديد، وكما أكد على أهمية التخطيط السليم لبلوغ الأهداف وتسخير كل الإمكانات لتحقيقها، وأن الإرادة الحديدية كفيلة بإزاحة كل العقبات والعراقيل لتحقيق الهدف المنشود.
فكان مثار إعجاب وتقدير من القرية وخارجها، والذي عرفت عنه سعة اطلاعه فاختير كأحد أعضاء بعثة الحج الكويتية للإفتاء، وكذلك لم يبخل في تلبية الدعوات التي تقيمها الدولة في المناسبات، فكان لغويا دقيقا في لغته، وفصيحا دقيقا في خطاباته.
وفي فجر الأربعاء الموافق 12 يونيو 2002 ترجل الفارس عن صهوة جواده، حيث وافته المنية بعد عطاء حافل مليء بالإنجازات، فكان، رحمه الله أمة في رجل، وإنسانا ذا قيم عالية وأخلاق رفيعة وعطاء غير منقطع، ترك وراءه عائلة كريمة وقرية عظيمة يذكرونه بكل فخر واعتزاز، وتكريما له من الدولة تم إطلاق اسمه على إحدى المدارس تخليدا لما قدّم. فإنجازات الملا ناصر تراث وطني وجزء أساسي من الهوية الوطنية التي تسعى الشعوب للحفاظ عليه، «وصاحب البصمة» لا ينسى بل مخلد في وجدان مجتمعه، فاستحق بحق أن ينظر إليه كإستراتيجي بارع تترجم أفكاره إلى واقع.
فالملا ناصر، رحمه الله، فارقنا بجسده ولكن ستظل ذكراه باقية مدى الحياة.. ودمتم ودام الوطن.
[email protected]