أدلى الناخبون الأميركيون بأصواتهم امس في انتخابات منتصف الولاية، وسط توقعات بحصول الجمهوريين على غالبية في الكونغرس من شأنها أن تشل جدول أعمال الرئيس جو بايدن للسنتين المقبلتين، وتمهد الطريق أمام عودة سلفه دونالد ترامب مجددا إلى البيت الأبيض.
وفي مؤشر على اهتمام الأميركيين بهذه الانتخابات، أدلى أكثر من 43 مليون شخص بأصواتهم خلال التصويت المبكر عبر البريد في جميع أنحاء الولايات الاميركية، وتوقعت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض كارين جان بيير أن نتائج الانتخابات النهائية لن تصل «لبضعة أيام»، وعزت جان بيير ذلك إلى ان العديد من الولايات تستخدم بطاقات الاقتراع بالبريد وغيرها من أشكال التصويت المبكر التي لا يتم احتسابها في كثير من الأحيان إلا بعد انتهاء الإدلاء بالأصوات الحضورية.
وقالت للصحافيين «قد لا نعرف كل الفائزين في الانتخابات لبضعة أيام. يستغرق فرز جميع الأصوات المشروعة بطريقة قانونية ومنظمة بعض الوقت، هذه هي الطريقة التي من المفترض أن يعمل بها هذا».
وفي اقتراع شديد الحساسية لتحديد موازين القوة في الكونغرس الجديد، تم التصويت أمس لتجديد مقاعد مجلس النواب الـ 435 بالكامل وثلث مقاعد مجلس الشيوخ الـ 100، حيث يشغل الديموقراطيون حاليا 222 مقعدا من مقاعد مجلس النواب مقابل 213 لمصلحة الجمهوريين.
وينقسم مجلس الشيوخ بنسبة 50-50 بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري، بالإضافة إلى صوت نائبة الرئيس كمالا هاريس التي تصوت لصالح الديموقراطيين.
وإلى جانب التصويت على اختيار مرشحيهم بالكونغرس صوت الأميركيون لانتخاب حكام 36 ولاية من أصل 50 ولاية، وانتخاب حكام ثلاثة أقاليم أميركية.
وحث بايدن الأميركيين على التصويت بكثرة وقال في تغريدة على تويتر أمس «اجعلوا صوتكم مسموعا، صوتوا»، داعيا إلى «الدفاع عن الديموقراطية»، في الوقت الذي وعد فيه ترامب بـ«إعلان مهم جدا» في 15 الجاري في مقره مارالاغو في بالم بيتش بفلوريدا، مفسحا المجال أمام تكهنات بشأن إعلان ترشحه للبيت الأبيض.
وبعد حملة شرسة ركزت على التضخم، بدا الجمهوريون واثقين بشكل متزايد من فرصهم في تجريد بايدن من غالبيته الديموقراطية في الكونغرس.
وقال ترامب، خلال تجمع أخير في أوهايو إحدى الولايات الصناعية قبل ساعات من انطلاق الاقتراع، «إذا كنتم تريدون وضع حد لدمار بلادنا وإنقاذ الحلم الأميركي، يجب أن تصوتوا للجمهوريين».
في هذه الأثناء، سعى معسكر بايدن لكسب الأصوات من اليسار والوسط عبر تصوير المعارضة الجمهورية على أنها تهديد للديموقراطية والمكتسبات الاجتماعية مثل الحق في الإجهاض.
وسيكون لفقدان السيطرة على مجلسي الكونغرس عواقب وخيمة على بايدن الذي أعرب عن نيته الترشح في العام 2024، ما ينذر بإعادة مشهد الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2020.
وقال بايدن إنه «متفائل» بشأن نتيجة الانتخابات، لكنه أقر بأن الاحتفاظ بالسيطرة على المجلسين سيكون «صعبا».
وتعد بعض الولايات الرئيسية محتدمة من حيث التنافس بين الجمهوريين والديموقراطيين، وهي نفسها الولايات التي كانت بالفعل على المحك في الانتخابات الرئاسية للعام 2020، وهي: بنسلفانيا، وجورجيا، وأريزونا، وأوهايو، ونيفادا، وويسكنسن، ونورث كارولينا.
وقد أنفقت ملايين الدولارات على هذه المنافسات في مجمل الولايات، مما يجعل من انتخابات نصف الولاية للعام 2022 الأغلى في تاريخ الولايات المتحدة.
وتنوعت مخاوف الناخبين الأميركيين على عدة قضايا ساهمت في تحديد اختياراتهم مثل: الهجرة، والتضخم، والجريمة، والدفاع عن الديموقراطية، وفرض ضرائب، وتقنين الماريغوانا، والقمار وحيازة السلاح والصلاحيات الإدارية.
كذلك، شهدت أربع ولايات استفتاء على الحق في الإجهاض، وهي: كاليفورنيا وفيرمونت وكنتاكي ومشيغان.
ويمثل التضخم الشغل الشاغل للأسر الأميركية، وفقا لجميع استطلاعات الرأي. ويتهم الجمهوريون الرئيس بايدن وحزبه بالمسؤولية عن ارتفاع الأسعار.
مــن جـهـتـهـم، سـعـى الديموقراطيون إلى تجنب التطرق إلى هذه المسألة، خوفا من أن تؤثر عليهم سلبا.
ولكن بناء على ضغوط الجناح اليساري في الحزب الديموقراطي، الداعي لإيصال رسالة واضحة بشأن الاقتصاد، كرر جو بايدن في الأسابيع الأخيرة القول إن «الديموقراطيين يبنون أميركا أفضل بالنسبة للجميع»، مؤكدا أن الجمهوريين هم الذين «سيقوضون الاقتصاد».
كما شكلت الجريمة الآخذة في التصاعد وفقا لبيانات الشرطة الفيدرالية، منطلقا لهجوم الحزب الجمهوري الذي اتهم الديموقراطيين بعدم القدرة على ضمان سلامة الأميركيين.
وحاول الديموقراطيون من جانبهم إسكات هذه الاتهامات عبر التصويت في الأسابيع الأخيرة على سلسلة من مشاريع القوانين التي تهدف إلى تحسين تجنيد وتدريب ضباط الشرطة في الولايات المتحدة.
كذلك، باتت الهجرة التي عادة ما تعد موضوعا متفجرا في الولايات المتحدة، أكثر تفجرا في الأسابيع التي سبقت الانتخابات. فقد اتهمت المعارضة الجمهورية الديموقراطيين بتحويل الحدود مع المكسيك إلى «مصفاة».
ويؤكد الجمهوريون أن الهجرة غير الشرعية تغذي تهريب المواد المخدرة في الولايات المتحدة.
«إف.بي.آي» يستحدث قيادة أمنية لمراقبة الانتخابات
ذكرت شبكة «إن. بي.سي» الإخبارية الأميركية أن مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف.بي.آي» قرر إنشاء محطات لمراقبة أي تدخل خارجي في انتخابات الكونغرس، بسبب مخاوف من التدخل الخارجي، لاسيما من جانب روسيا وايران والصين.
وأنشأ مكتب التحقيقات مقر قيادة أمنية جديدة للانتخابات مقره في واشنطن ومراكز قيادة منفصلة في جميع المكاتب الميدانية البالغ عددها 56 مكتبا في جميع أنحاء البلاد.
ويعتمد المكتب الجديد بشكل كبير على فرقة العمل المعنية بالتأثير الأجنبي التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وهي وحدة مكلفة بمكافحة المعلومات الأجنبية المضللة، لكنها تضم أيضا أفرادا من اقسام: التحقيقات الجنائية والإنترنت ومكافحة الإرهاب.
وستراقب فرق العمل الجديدة التأثير الأجنبي وأي نشاط ضار يمكن أن ينسب إلى حكومة أجنبية أو وكيلها.
مناصب في الكونغرس «لن يتم حسمها» يوم الانتخابات
بالتزامن مع انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، قد يواجه الديموقراطيون في مجلس النواب، بقيادة رئيسة المجلس، نانسي بيلوسي، ونائبيها لما يقرب من 20 عاما، أكبر تغيير في القيادة منذ عقود، خاصة إذا فقدوا أغلبيتهم، كما هو متوقع، وفقا لتقرير لمجلة «بولتيكيو».
ويتنافس الجمهوريون في مجلس النواب على العديد من المناصب القيادية الرئيسية، وهناك احتمال لوجود رئيس جديد للمجلس وهو كيفن مكارثي، إذا فاز الجمهوريون، حسب تقرير المجلة الأميركية.
ويمكن أن تقدم الأسابيع القليلة المقبلة أكبر تغيير لقيادة مجلس النواب منذ عام 1994، وقد يواجه زعيم الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، «أول تصويت احتجاجي في حياته المهنية».
وقد تعهد المرشح الجمهوري لولاية نيو هامبشاير، دون بولدوك، بـ «عدم دعم ماكونيل»، إذا هزم السناتور، ماجي حسن النائبة الديموقراطية عن الولاية.
ومع ذلك، فهناك توقعات على نطاق واسع أن يحظى ماكونيل بدعم معظم أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ، حسب «بولتيكيو».
أما زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، فهو «في وضع آمن»، حتى لو خسر الديموقراطيون الأغلبية، بعد تجاوز التوقعات لما يمكن أن يحققه حزبه في مجلس الشيوخ.
رئاسة مجلس النواب
كان مستقبل قيادة الحزب الديموقراطي في مجلس النواب موضوعا محظورا لفترة طويلة، لكن هذا «على وشك التغيير».
فإذا انقلب مجلس النواب بالفعل، فإن العديد من الديموقراطيين يتوقعون «تحولا كبيرا في صفوف قيادتهم»، وهناك فرصة هائلة لجيل من الشباب، وفقا لـ «بولتيكيو».
وبالنسبة للعديد من أعضاء مجلس النواب الديموقراطيين، فإن «أقل منصب قيادي يحسد عليه»، هو إدارة ذراع الحملة الانتخابية، خلفا للرئيس الحالي النائب، شون باتريك مالوني (وهو ديموقراطي من نيويورك).
ومر مالوني بدورة مضطربة كرئيس للجنة حملة الكونغرس الديموقراطية، في الآونة الأخيرة، وهو ما لا يضمن فوزه ولم يقرر بعد ما إذا كان سيرشح نفسه للوظيفة.
وحتى الآن أعرب اثنان فقط من الديموقراطيين، كلاهما من كاليفورنيا، عن اهتمامهما بالمنصب، وهما النائبان: توني كارديناس وآمي بيرا، ولم يصرح أي منهما رسميا عن نيته ذلك، وفقا لـ «بولتيكيو».
واتخذ السناتور، مونتانا ستيف داينز، خطوة غير عادية بالإعلان عن نيته رئاسة اللجنة الوطنية لمجلس الشيوخ، ولم يظهر الديموقراطيون الاهتمام نفسه بافتتاح لجنة حملتهم.
المتحدث وزعيم الأغلبية
مكارثي وستيف سكاليس هما المرشحان المفضلان لمنصب المتحدث وزعيم الأغلبية، على التوالي، في الحزب الجمهوري، حسب «بولتيكيو».
ويتنافس 3 جمهوريين بارزين جميعا على المنصب، وهم: رئيس لجنة الكونغرس النائب توم إمر، ورئيس لجنة الدراسة النائب جيم بانكس، ونائب الرئيس ويب درو فيرغسون.
ويتوقع العديد من الأعضاء أن الحزب الجمهوري سيجري تصويتا نهائيا بين المرشحين الأولين فقط.
4 أسباب تزيد من أهمية انتخابات «منتصف الولاية»
«بي.بي.سي»: تكتسب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي والتي تعرف بانتخابات منتصف الولاية، أهمية كبيرة في الولايات المتحدة بالنظر إلى أربعة أسباب رئيسية.
شكل السياسات المستقبلية
يؤثر التصويت في انتخابات التجديد النصفي بشكل مباشر على شكل السياسات المستقبلية والحياة اليومية للأميركيين، وذلك لأن الطرف الفائز على المستوى الفيدرالي ومستوى الولاية سيؤثر على تحديد الأولويات. فإذا انتصر الجمهوريون، فمن المتوقع أن تكون على رأس أولوياتهم السياسات المتعلقة بالهجرة والحقوق الدينية والتصدي لجرائم العنف. وبالنسبة للديموقراطيين ستكون أولوياتهم السياسات المتعلقة بالبيئة والرعاية الصحية وحقوق التصويت والسيطرة على السلاح.
الرقابة البرلمانية
سيكون لانتخابات التجديد النصفي تأثير يتجاوز الدوائر السياسية. فلمدة عامين، كانت رقابة الكونغرس تحت سيطرة الديموقراطيين، مما قلص حجم الاستجوابات الموجهة للبيت الأبيض، كما جعلوا من أحداث اقتحام «الكابيتول» من جانب أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب في 6 يناير 2021 هي المحور الأساسي لتحقيقات الكونغرس.
لكن كل ذلك سيتغير إذا سيطر الجمهوريون على غرفة واحدة في الكونغرس، أو على كليهما. إذ يتوعد الجمهوريون في مجلس النواب بعقد جلسات استماع حول العلاقات التجارية لهانتر، نجل الرئيس بايدن مع الصين، بالإضافة إلى تحقيقات مفصلة في سياسات الهجرة لإدارة الرئيس الديموقراطي، وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وأصل جائحة فيروس كورونا.
مستقبل بايدن
تعتبر الانتخابات التكميلية عادة استفتاء على أول عامين من فترة الرئاسة، حيث يتعرض الحزب الحاكم لضربة في هذه الانتخابات في كثير من الأحيان.
وقد كانت شعبية الرئيس بايدن ضعيفة لأكثر من عام. وبينما يبدو أن حظوظ الديموقراطيين قد تعافت إلى حد ما، فإن معدلات التضخم المرتفعة والمخاوف بشأن الاقتصاد تعني أن الحزب لايزال يواجه معركة شاقة للسيطرة على غرفتي الكونغرس.
وإذا سيطر الجمهوريون على إحدى غرف الكونغرس، فإن نافذة الإنجازات التشريعية سوف تغلق أمام الرئيس لبقية فترة رئاسته.
وسيتم تفسير أي نتيجة سلبية للديموقراطيين في الانتخابات على أنها علامة على الضعف السياسي المستمر لبايدن، وقد تتجدد الدعوات بتنحي بايدن جانبا من أجل مرشح ديموقراطي آخر يخوض سباق الرئاسة في عام 2024.
طموحات ترامب
إذا فاز مرشحو الرئيس السابق دونالد ترامب فقد يثبت ذلك أن نهجه الخاص من السياسة المحافظة له جاذبية على المستوى الوطني.
لكن إذا فشل الجمهوريون في الكونغرس، وكان ذلك بسبب فشل مرشحي ترامب غير التقليديين، فقد يتحمل الرئيس السابق الكثير من اللوم والفشل.
وفي هذه الحالة، ستتضاءل فرص ترامب في الفوز بترشيح الحزب في الانتخابات المقبلة وتتعزز فرص منافسيه داخل الحزب.