- عصام الصقر: نتمسك بما رسّخه الآباء المؤسسون من قيم وطنية ملهمة.. وتأسيس بنك وطني مهّد الطريق لاستقلال الكويت اقتصادياً
يحتفل بنك الكويت الوطني بمرور 70 عاما على تأسيس الصرح المصرفي الشامخ وذكرى مسيرة خير ونماء بدأها رجالات الكويت الأخيار وتسلم الراية من بعدهم كوادر وطنية ساروا على الدرب متمسكين بما رسخه الآباء المؤسسون من قيم الالتزام بمسؤولياتهم تجاه المجتمع فأكملوا المسار ورسموا تاريخا يزخر بالمواقف الناصعة والأدوار الوطنية البارزة ومهدوا دربا تملأ جنباته النجاحات لجيل قادم يحمل ثقافة لا تعرف نهاية للطريق سوى الوصول للهدف ليتقلد قيادة الوطني الذي أصبح منارة مصرفية يهتدي القاصي والداني بما تقدمه من سياسات مالية رصينة وحصافة في إدارة الأزمات.
وبهذه المناسبة، قال نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني، عصام جاسم الصقر: «نستلهم من قصة تأسيس بنك الكويت الوطني ومسيرته الممتدة على مدى عقود روح المسؤولية الوطنية ونستقي الدروس المستفادة من جميع التفاصيل المتعلقة بالتأسيس وما مر به البنك خلال 70 عاما من نجاحات وأزمات وكيف استطاع أبناء الوطني تجاوز التحديات والأوقات العصيبة». وأضاف الصقر: «تأسيس الوطني قبل سبعة عقود كان بمنزلة محطة فارقة في تاريخ الكويت وبدء الاستقلال الاقتصادي الذي مهد فيما بعد لاستقلال البلاد».
وأكد الصقر أن بنك الكويت الوطني طالما كان شريكا فاعلا وحاضرا بقوة في عصر النمو والازدهار بعد تصدير النفط حيث ساهم في تأسيس الشركات الوطنية الرائدة بكافة قطاعات الاقتصاد وقدم التمويل اللازم لإطلاق المشاريع التنموية والبنية التحتية.
وأكمل الصقر قائلا: «لم يقتصر دور الوطني في الازدهار والرخاء وإنما كان دوره أكثر أهمية في الأزمات التي استطاع أن يتخطاها جميعا ويخرج منها أقوى وأكثر بريقا ولم يكتف بذلك بل يقدم المساعدة للمؤسسات الحكومية والعملاء من الأفراد والشركات ويعزز جهود المجتمع المدني في التصدي لتداعيات الأزمة».
وأشار الصقر إلى أن الوطني استطاع أن يقدم نموذجا يحتذى في ضرورة التزام القطاع الخاص بالمسؤولية تجاه المجتمع على صعيد العمل الخيري وما قدمه من استثمارات مجتمعية هائلة على مر السنين وتدريب الكوادر الوطنية من أجل تأهيل أجيال قادرة على تحمل المسؤولية ومواصلة النجاح.
يسرد الصقر قصة التأسيس وبدأها بظروف ما قبل فتح البنك أبوابه حيث سيطر البنك الإمبراطوري البريطاني على العمل المصرفي بالكويت طوال 10 سنوات ولم تكن خدماته مرضية للكويتيين كما لم يعلن عن أرباحه ولم تكن له أي مساهمات مجتمعية.
وتطلع الكويتيون إلى بنك وطني يساهم في تمويل التنمية وتسهيل التجارة ويحفظ أموالهم وتعود أرباحه إلى الكويتيين وقد نشر الطلبة الكويتيون المبتعثون للقاهرة بعض الأفكار في ذلك الشأن بمجلة البعثة.
وجاء رفض تقديم البنك الإمبراطوري اعتمادا لصالح خليفة خالد الغنيم «كالقشة التي قصمت ظهر البعير» وتطورت من بعدها الأحداث، حيث أجمع التجار أمرهم على تأسيس بنك وطني وما كان من الأمير الشيخ عبدالله السالم، رحمة الله عليه، سوى الموافقة وتقديم الدعم الكامل.
اتفق التجار على المساهمة في إنشاء البنك، وطلب خالد عبداللطيف الحمد من الشيخ عبدالله السالم المساهمة معهم، فدفع سموه مبلغ مليوني روبية.
وجمع المؤسسون 13 مليونا ومائة ألف روبية، وهو رأس مال البنك. وتم توزيع رأس المال على 131000 سهم، قيمة كل منها ألف روبية.
يرى الصقر أن نجاح تجربة الوطني يرجع لمجموعة من العوامل، أبرزها تزامن تأسيس البنك مع بدء ترسية قواعد دولة حديثة تحتاج الى مؤسسة مالية وطنية، حيث كانت هناك حاجة ملحة لوجود بنك وطني لتلبية احتياجات المواطنين والتجار والدولة، وبينما زادت السيولة لدى الدولة والأفراد عن طريق إيرادات النفط والتثمين، احتاجوا الى مكان يثقون فيه لإيداع أموالهم.
وبعد تصدير النفط، شملت تلك النهضة جميع المجالات وكان هناك حاجة لبنك وطني في ذلك الوقت يقدم خدمات التمويل وباقي الخدمات المصرفية اللازمة.
وعزز نجاح التجربة أيضا تعاون الوطني مع مجلس الإنشاء والتعمير الذي أنشئ عام 1951م، كما قدم الخدمات المصرفية والتمويلية الشركات الأجنبية العاملة في الكويت.
أكد الصقر أن البنك كان له دور وطني تزامن مع تأسيس الكويت الحديثة، فعلى مستوى الدولة، قام الوطني بتمويل مشاريع البنية التحتية في جميع المجالات والتي انطلقت بوتيرة سريعة وقتها.
وعلى صعيد النشاط الاقتصادي، ساهم البنك في تمويل العديد من الشركات الحكومية والخاصة وتقديم الاستشارات المصرفية والاستثمارية وقد أصبحت تلك المؤسسات رائدة في قطاعاتها حتى الآن.
كما فتح الوطني باب العمل أمام المواطنين في القطاع الخاص وساهم في نشر الثقافة المالية بين كل أطياف المجتمع.
ومن أبرز أدوار الوطني أنه قدم نموذجا لجميع المؤسسات الناشئة وقتها فيما يخص التنظيم المؤسسي وكيفية أداء الدور الوطني والمجتمعي.
وعن قصة المقر الرئيسي، قال الصقر ان بنك الكويت الوطني فتح أبوابه في 15 نوفمبر 1952 من خلال أول مقر بالشارع الجديد (شارع عبدالله السالم حاليا)، في مدخل الشارع الشمالي مقابل من الجمرك البحري، وكان عبارة عن 3 دكاكين متلاصقة.
مرت سنوات قليلة وأردنا التوسع وتقدمنا بطلب تخصيص أرض وانتظرنا سنوات بعدها لنحصل على الأرض ونبدأ البناء في 1961، وفي مطلع أبريل 1963 تم افتتاح المقر الرئيسي الجديد للبنك وقتها في شارع عبدالله السالم وكان عبارة عن مبنى كبير متعدد الأدوار يناسب التوسع في الأعمال وعدد الموظفين وطبيعة ما يقدمه البنك من خدمات.
ويستطرد الصقر: «واليوم، يمكنك أن ترى المقر الرئيسي الحالي للبنك أحد معالم الحي المالي في قلب العاصمة ونموذجا يحتذى في المباني الخضراء الحديثة التي تطبق أحدث معايير الاستدامة البيئية وتوفير أفضل بيئة عمل ممكن لموظفينا».
منذ صدور المرسوم الأميري في 19 مايو 1952م استغرق البنك 7 أشهر في عملية التأسيس وبدأ تقديم خدماته في نوفمبر من نفس العام، ويقول الصقر عن تلك الخدمات التي يقدمها البنك إنها كانت بسيطة إذا نظرنا لها اليوم لكنها كانت أساسية وتمثل تطور كبير وقتها، وأشار الصقر إلى تركز عملاء البنك في بداية البنك بالدوائر الحكومية والتجار وبعض الأفراد وقدم البنك لهم خدمات مثل: فتح حسابات، وجراء تحويلات مالية بالعملات الرئيسية وهي الروبية الهندية والجنيه الإسترليني والدولار الأميركي، وفتح اعتمادات مستندية.
وأضاف الصقر: «على مدى سنوات طويلة، ظل الوطني حريصا على تقديم أحدث الخدمات لعملائه وهو ما ساهم في حفاظنا على ريادتنا المصرفية الممتدة عبر عقود من الزمن وانعكست اليوم على تقديمنا أحدث الخدمات المصرفية الرقمية وأكثرها تطورا».
وضمن ذلك التوجه القومي، جاء تقديم التمويل والدعم للمؤسسات المالية العربية ودعم الاستقلال والتطور الاقتصادي للدول العربية، حيث ساهم الوطني في تأسيس بنك دبي المحدود في عام 1963، كما ساهم الوطني بنسبة كبيرة من رأس المال وتأسيس بنك الريف في بيروت عام 1965، وكذلك قدم الوطني قرضا للبنك المركزي المصري بقيمة 9 ملايين ونصف مليون دينار في عام 1966.
ويعلق الصقر قائلا: «تحولت استراتيجية الوطني بعد ذلك إلى العمل بالدول العربية والانخراط في نظامها المصرفي وتمويل التنمية الاقتصادية في تلك البلدان من خلال التوسع خارج الكويت حيث نتواجد اليوم في عواصم عربية أبرزها القاهرة والرياض».
يؤكد الصقر أن الوطني دائما ما يخرج من الأزمات أكثر بريقا وبداية في أزمة المناخ 1982، حيث امتنع البنك الوطني عن إقراض المواطنين المراهنين على أسهم شركات سوق المناخ لرؤية البنك أن السوق الذي يعمل بتلك الطريقة لن يستمر وستحدث أزمة حذر منها كثيرا، لذلك كان الوطني البنك الوحيد الذي لم يتأثر بانهيار السوق، كما دعم جهود الحكومة بالمساعدة في تحصيل الشيكات والتعاون مع شركة المقاصة.
وإبان الغزو عام 1990، كان استمرار عمل الوطني من لندن رمزا على الصمود في وجه الاحتلال والتمسك بسيادة الكويت إلى جانب دعمه المواطنين المقيمين في الخارج وتقديم مبالغ مالية لبعضهم، هذا بالإضافة إلى مرحلة الإعمار بعد انتهاء الغزو وتدبير أكبر قرض في المنطقة وقتها لصالح الحكومة بقيمة 5 مليارات دينار.
أما في الأزمة العالمية عام 2008، فلم يتعرض الوطني لحجم الخسائر التي أصابت باقي البنوك وأثبت الوطني نجاح استراتيجيته المتعلقة بحصافة إدارة المخاطر وتنويع إيراداته جغرافيا وقطاعيا وهي السياسة التي توارثتها أجيال الوطني ونلتزم بها حتى اليوم، وأثبت البنك في الأزمة أنه يخرج أقوى من الأزمات.
شراكة فريدة
التقى نخبة من تجار الكويت الشيخ عبدالله السالم وناقشوا معه تأسيس بنك وطني كشركة مساهمة ووجدوا منه كل ترحيب، والتجار هم:
٭ خالد الزيد الخالد.
٭ أحمد السعود الخالد.
٭ خالد العبداللطيف الحمد.
٭ خليفة خالد الغنيم.
٭ سيد علي سيد سليمان الرفاعي.
٭ عبدالعزيز حمد الصقر.
٭ محمد عبدالمحسن الخرافي.
٭ يوسف أحمد الغانم.
٭ يوسف عبدالعزيز الفليج.
نموذج يحتذى بالمساهمات الاجتماعية والخيرية
يقول عصام الصقر: «مسؤوليتنا تجاه المجتمع راسخة وتراثنا يؤكد تمسك الوطني على مر السنين بأداء مسؤوليته تجاه المجتمع يقينا منه أن تنمية المجتمع ركيزة أساسية من أجل تحقيق النمو المستدام».
ويضيف: «التزامنا بمسؤوليتنا تجاه المجتمع بدأت مع التأسيس ليس فقط على صعيد دورنا في دعم الاقتصاد الوطني وإنما بمساهمات اجتماعية خيرية ورعاية للمبادرات بكافة المجالات».
وأشار الصقر إلى اهتمام الوطني بتطوير قدرات الكوادر البشرية من الكويتيين وقد بدأ تقديم الدورات التدريبية للخريجين من المواطنين في ستينات القرن الماضي لتمكينهم من الالتحاق بسوق العمل وخاصة البنوك، كما ان البنك وعلى مدى آخر 20 سنة أكثر من 200 مليون دينار من الاستثمارات المجتمعية بقطاعات الصحة والتعليم والتبرعات الخيرية وغيرها.
محطات بارزة بمسيرة «الوطني»
عن أبرز المحطات الرئيسية التي كان للوطني دور بارز في دعم الاقتصاد الوطني، أكد الصقر أن تأسيس بنك الكويت الوطني كان بداية للاستقلال الاقتصادي وتأكيد جاهزية الكويت للاستقلال السياسي عن بريطانيا وأن الكويت قادرة على إدارة شؤونها المصرفية داخليا وخارجيا.
وأوضح الصقر أن الوطني قام بدور البنك المركزي وشارك في استبدال العملة المتداولة في الكويت مرتين، الأولى عند استبدال الروبية الهندية بأخرى جديدة في 1959 والثانية عند استبدال الروبية بالدينار الكويتي سنة 1961.
وبداية من فترة الستينيات حتى نهاية الثمانينيات، كانت حقبة ازدهار ونمو وقد لعب البنك دورا بارزا في دعم الاقتصاد الكويتي في ذلك الوقت، من تقديم التمويل وإطلاق أحدث الخدمات المالية وحلول الدفع وتسهيل العمليات التجارية مع باقي دول العالم.
وأضاف الصقر: «امتد ذلك الدور الوطني حتى يومنا فنحن اليوم أكبر ممول للمشاريع التنموية ومشروعات البنية التحتية في البلاد، كما نستحوذ على 75% من تعاملات الشركات الأجنبية في الكويت».