هادي العنزي
من يريد الاقتراب منك، سيبحث في «العموميات والمشتركات» ثقافية كانت أو أخلاقية، أو تاريخية، ويجمع كل نقاط الالتقاء ليضعها مجتمعة على طاولة واحدة، ومن لا يريد قربك فسيجتهد عملاً، ويجهد نفسه بحثاً عن أدق التفاصيل التي تعارضها من حيث المبدأ الأخلاقي، أو الرباط الديني، أو الفطرة الإنسانية، ليتخذ منها مسوغا يتقاطع معه بك، ويتخذه مدعاة للتشهير بمجتمعك، ضارباً عرض الحائط بكل ما يجمعك معه، لغاية مريضة في نفسه.
وللأسف، شهدت خلال الأيام الأخيرة حملة شعواء «منكرة» بالفطرة على «دوحة قطر»، والعلة وراء تلك الحملة عديمة المنطق، متناقضة النهج، تناقص ساعات انطلاق الحدث الرياضي الأكثر شهرة ومتابعة في العالم، وهو مونديال 2022، وقد شحذ المتربصون أسلحتهم الرخيصة، وأخذوا بالطعن في كل شيء يتعلق بالمونديال، ادعاء بحقوق العمال المهدرة تارة، ومطالبة بتغليب ثقافة تتعارض مع السلوك البشري القويم تارة أخرى.
الحملة «الناقمة» لم تفتّ في عضد الشباب القطري، بل زادته قوة وإصرارا على المضي قدما والمواجهة، بالحجة والدليل فيما يتعلق بالعمالة المجتهدة، ونيلها حقوقها كاملة، مع مراعاة المتطلبات العمالية العالمية، والاستثناء واقع حال ليس في قطر فقط بل في جميع أصقاع المعمورة، وبأرقام تؤكد أن صندوق التعويضات المخصص للعمال المتوفين في بناء ملاعب المونديال شهد صرف نحو 350 مليون دولار وزعت على عائلات العمال، وبالمنطق السوي والاختلاف المثري في الثقافات، مع مدعي الحرية غير الرشيدة، والانفلات الأخلاقي الأعمى، الذي لا يقره السواد الأعظم لمجتمعاتهم بالدرجة الأولى تارة أخرى، وقد أوجز وأفحم نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، عندما أشار إلى أن هناك «ازدواجية في المعايير» عند التعاطي مع استضافة قطر للمونديال، فيما تفتقد دعوات المقاطعة للموضوعية، وأن هناك من يقوم بنشر «معلومات مضللة» في عدد محدود من الدول للإساءة إلى الجهود الكبيرة التي بذلت وتبذل.
اليوم غير الأمس، والبشرية منذ الخليقة تختلف في طباعها وعاداتها وأخلاقها، وكل مجتمع يمتاز بخصوصية ليست بالضرورة تتواءم مع مجتمع قريب منه أو بعيد، وفي جميع الأحوال يجب احترام الآخر رأياً وسلوكاً طالما لم يتعارض مع المثل والقيم الرصينة، وتلك من المبادئ الأساسية للعدالة التي تُجمع عليها جميع شعوب العالم، الدوحة الخليجية، مجتمع مسلم متجانس يغلب عليه الطابع المحافظ على عاداته وتقاليده ودينه، وذلك لا يعيبه في شيء، بل لعله مدعاة فخر واعتزاز لدى الكثيرين.