وظيفة لا يعلم بها إلا القليل، هي وظيفة «ناظر مدرسة داخلية» ضمن أقسام مؤسسات عقابية إصلاحية «مساجين» ينفذون أحكاما قضائية صدرت بحقهم، ويقضون سنوات حكمهم التي تتراوح لبعضهم بين سنوات ثلاث أو أكثر، وحفاظا على مستقبلهم الدراسي وفرت لهم الدولة الرعاية التربوية، بالإضافة إلى إعادة تأهيلهم «رعاية اجتماعية، ونفسية، ومهنية، وتأهيلية».
ناظر هذه المدرسة شخصية تربوية من نوع خاص فهو مرب فاضل تحكمه وظيفته التربوية، يقوم بتنفيذ متطلباتها وفق التصنيف والتوصيف الوظيفي الملزم به في عالم التدريس، وهذا أمر ليس غريبا على من يتبوأ هذا المنصب، لكن أن يكون في نفس الوقت ناظر مدرسة وسجانا فهذا يحتاج إلى وقفة، سألته: كيف توفق بين مهامك الوظيفية التربوية كناظر مدرسة تنفذ إستراتيجية تعليمية تربوية موكلة إليك، وبين قيادة جهاز من مدرسين تربويين تتعاملون مع طلبة مساجين تتصف جرائم بعضهم بشديدة الخطورة ويقضون سنوات عقوبتهم في هذه المؤسسة؟
قال: فعلا إنها مهام مزدوجة كوني ناظرا لمدرسة داخلية «داخل مؤسسات عقابية».
ويكمل: حتى أنجح في مهامي، أقوم وبالتعاون مع وزارة التربية بوضع خطط محكمة لتدريس وتعليم نزلاء هذه المؤسسات الذين يحتاجون منا جهودا مضاعفة، لقد اعتدنا والمدرسون الذين يعملون معي على تكوين علاقة وثيقة مع الجهاز الفني العامل بهذه المؤسسات العقابية تقوم على تحديد هدف وغاية واحدة وهي إنهاء فترة المحكومين وإعادتهم للمجتمع عناصر صالحة وقد اجتازوا فترة عقوبتهم، وسنوات الدراسة المقررة عليهم بنجاح، وهذه الخطط بل والرؤى لا تخرج عن الغاية الأسمى وهي المحافظة على بعض المحبوسين من أبنائنا ممن حادوا عن طريق الصواب، فمنهم من ارتكب جرما بدوافع وأسباب تتطلب مني التركيز على تعديل سلوكهم داخل المدرسة ومن ثم المجتمع الخارجي، لذا يتطلب ذلك جهدا مضاعفا للتعامل معهم من جانب وللحفاظ عليهم وعلى الآخرين خلال فترة تلقيهم الدراسة داخل أسوار مدرستي من جانب آخر.
كما أن ضمان نجاح تلقيهم الدروس والالتزام بقوانين المدرسة، مسؤولية لا تقل أهمية عن إحكام السيطرة عليهم أثناء وجودهم داخل مؤسساتهم العقابية، أي أن الأدوار التكاملية بيني وبين الجهاز الفني في هذه المؤسسة شديد التماسك وفائق التنسيق، وندرك احتمالية قيام بعض الطلبة المساجين باستغلال تواجدهم داخل المدرسة واعتقادهم أنهم يقضون فترة نزهة ويستغلون الوقت بارتكابهم أفعالا مرفوضة، وهذا لم ولن يحدث.
سألته: ما أصعب موقف مررت به وكيف تعاملت معه؟
ضحك وقال: لا تفصل مهامي وأعمالي عن أعمال الآخرين في المؤسسات العقابية، نحن فريق واحد يحمل إستراتيجية محكمة غايتها إعادة المحكومين «المحبوسين» للمجتمع، وقد صلح حالهم وأنهم لن يعاودوا ارتكاب الجرائم «وهذا أملنا المنتظر».
قلت: مرب فاضل وسجان حكيم وشخصية تربوية ديبلوماسية رائعة!