هادي العنزي
تتسابق دول العالم ذات البنية التحتية الجيدة، والمقومات الاقتصادية المتينة، والإرث الثقافي الكبير، نحو استضافة كأس العالم لكرة القدم، تلك المناسبة الرياضية الكبيرة، استثنائية الحدث، فريدة الطابع، عاصفة الأهواء، مجنونة المشاعر، تأسر الملايين لعدة أسابيع.. وتنفض برشاقة «ساحرات الباليه» عند اسدال الستار، مودعة على عجل، ويبقى عشاقها على حال من اللهفة.. وموعد يتجدد بعد 4 أعوام طوال.
قطر.. ذاك البلد الصغير المطل على شاطئ الخليج العربي، أراد دخول المعترك الكبير، وكتابة تاريخ جديد ومجيد، فتقدم أبناؤه بإقدام إلى طلب استضافة أكبر حدث رياضي عالمي، بملف متكامل الأركان، محكم النص والبيان، لم يأخذ الكثيرون ذاك الطموح الكبير لأبناء «الدوحة» على محمل الجد، فيما أخذ عدد غير قليل الأمر باستخفاف وشيء من الهزل، وبين الجد والهزل، حظي «الملف القطري» بثقة العالم.. وبدأ مشوار العمل.
سخرت قطر جميع مؤسساتها، ومقدراتها الفنية والمالية، لتجاوز التحدي الصعب، أنشأت الملاعب، والطرق، والمطارات، وهيأت البنية التحتية، وما هو إلا عقد من الزمن، حتى أخذت «الدوحة القطرية» تكشف عن «نقابها» وإذ بها وجه مقمر جميل يشد الناظرين، ويفتن العاشقين، وحطت «رحلة» القطريين في الموعد الميمون.. لتبدأ «رحلة» الكرة مع 32 منتخبا ومن خلفها الملايين.
رجال قطر، بذلوا الغالي والنفيس لأجل حدث استثنائي فريد يمثل العرب هوية وثقافة، كلفهم 220 مليار دولار، وبحسبة الربح والخسارة، فإن مونديال 2022 في الدوحة لن يكون ذا عوائد مالية، مخالفا بذلك الهدف الرئيس الذي كان يستضاف الحدث الكروي من أجله، فروسيا على سبيل المثال صرفت في كأس العالم 2018 ما يقرب من 13.2 مليار دولار، وحققت عوائد مالية تقدر بـ 13.5 مليار دولار، وبلغت تكلفة كأس العالم في البرازيل 2014 قرابة 11 مليار دولار، وجاءت بعوائد تصل إلى 14 مليار دولار، وبنظرة سريعة إلى الأرقام عاليه، فإن قطر وأهلها يدركون جيدا أن العوائد وفي أحسن أحوالها لن تصل إلى ثلث التكلفة التي تكبدوها، ولكن وكما يقول أبو فراس الحمداني:
«تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر»
مهمتهم انتهت.. وبدأت مهمة أهلها من العرب، نعم مهمتنا نحن فقط، فهم قدموا أفضل ما لديهم، وأبدعوا، و«كفوا ووفوا»، دعم ومساندة قطر بكل السبل، حق وواجب، وعلينا جميعا أن نكون أسخياء بذلك «ولا نقصر» قدر استطاعتنا، متمثلين بأهل الدوحة همة عالية، وطموح للمعالي.
أخيرا.. وبعد مرور خمسة أيام على انطلاق البطولة فقد رأينا الإبهار في أبهى صورة بعد التألق ليس فقط في الأداء الفني، ولكن في التنظيم الذي نال حتى الآن إعجاب الكثيرين، خصوصا العرب الذين سعدوا بإنجاز كروي آخر أول من أمس على يد المنتخب السعودي الشقيق بعد تفوقه على نجوم المنتخب الأرجنتيني.. فهنيئا لنا جميعا هذا الفوز والانتصار، والفال لبقية منتخباتنا العربية المشاركة.