(ليش) ولدك (ع/ م) ارتكب عدة جرائم تسببت في إيداعه بإحدى مؤسسات الأحداث؟ «ما أدري»، لقد كان ابني يتحلى بخلق حسن، والتزام ملحوظ بالقيم والعادات، وكذا بتقاليدنا المسلمة الأصيلة وفق ما تشربه من أصول تربية كنت شديد الحرص على التمسك بها، كما لم ألاحظ عليه يوما ما أي سلوك منحرف، ولم يشتك أحد من سوء تصرف له، لا الجيران ولا المدرسة، حتى أصدقاؤه كانوا يثنون على أخلاقه.
تصدق يا دكتور كان ولدي يحرص على تأدية فرائض الصلاة في أوقاتها! ماذا حصل له؟ لا أعرف!.
سألته: هل هناك أمور استحدثت خلال الفترة الماضية كالتعرف على صحبة جديدة؟ أو أنك غيرت أسلوب تعاملك معه خاصة أنه يمر الآن بمرحلة المراهقة؟.
أبدا، فأنا أدرك خطورة هذه المرحلة التي يمر بها ولدي وتهيأت لها جيدا، خاصة بعد ما انتقلنا إلى منطقتنا الجديدة قبل أشهر، استدركت الأمر.. قائلا «أمسكت بداية الخيط»، سألته: قلت إنك انتفلت إلى منطقة جديدة؟
نعم، إذن من الطبيعي قيام ولدك بالتعرف على أصدقاء جدد؟ نعم تعرف على زمرة من الأصدقاء لم أكن يوما مرتاحا لها، فهم يختلفون عن أصدقائه القدماء في منطقتنا السابقة.
كان هذا الحوار مع والد الحدث شديد الانحراف (ع/ م) غلب شعور الحسرة والندم على هذا الأب المسكين بسبب تغير سلوك ولده الذي أودعه إحدى مؤسسات الأحداث ليقضي حكما قضائيا نتيجة ارتكابه فعلا يعاقب عليه القانون.
نقلت هذه القصة وعرضتها كحالة مرضية على ضيوف ندوة المدينة التي نظمتها إحدى الوزارات المعنية وشارك فيها نخبة من الخبراء المعنيين وتناولنا معهم قصة هذا الحدث المنحرف طمعا في تشخيص مشكلته والكشف عما إذا كانت هناك علاقة بين انحراف هذا الابن وانتقاله وأسرته لسكن في منطقة جديدة حيث توصلنا للآتي:
أولا: اتفق الخبراء أن هناك علاقة قوية بين أسباب جنوح هذا الحدث أو ذاك وبين انتقاله وأسرته لبيئة جديدة وذلك للأسباب التالية:
٭ أن التمدن أحيانا كثيرة يمنح فرصة التملص من بعض أنماط أصالتنا، وهذا قد يؤثر بصورة غير مباشر على سلوك أبنائنا خاصة أولئك المتمركزين حولها.
٭ يتأثر الحدث عند الانتقال المجالي إذا لم نقم بتهيئته لهذا الانتقال، فلم يعد الانتقال بالجسد، بل بالروح وهو التخلي عن جوانب كثيرة كانت بالنسبة له جزءا من ثقافته وسلوكه.
٭ اقتحام التكنولوجيا أحيانا دون تهيئة أسرنا وأبنائنا لها، مثل التعامل مع أدوات المنزل الجديد بما يحمله من تقنيات، تجبرنا التعامل معها قسرا وهذا يتطلب استعدادا كي تنجح أسرنا في هضمها ومواجهة أي هوة قد تشكلها الثقافة الجديدة للمسكن الجديد.
٭ هناك ردة فعل سلبية للفتية الذين ينتقلون مع أسرهم للمسكن الجديد في منطقة قد تختلف فيها الطبقة السكانية بما فيها من اختلاف الفكر والثقافات وبعض العادات السائدة في المنطقة السكنية السابقة ومن ثم قد يوثر ذلك على الكثير من أنماط السلوك، إن اصطدام الثقافات والعادات لها بالغ الأثر في تحديد سلوكيات أبنائنا.
٭ بسبب فقدانهم لصحبتهم التي امتدت علاقتهم مع بعضهم لسنوات مع تشكيل شخصياتهم يكون من الصعب بمكان الانسلاخ عن تلك الجماعات والتخلي عنهم بسبب الانتقال للمسكن الجديد أو دفع ثمن هذا الانتقال، وهذا ما قام به والد الحدث (ع/ م).