أقدم في هذا المقال توضيحا علميا بحكم تخصصي بأهمية القواعد في اللغات واللغة العربية خصوصا للدكتور العزيز حامد الحمود الذي أثار تساؤلا مشروعا في مقاله «هل القواعد عامل مساعد أم عائق لتعليم اللغة العربية» في «القبس» قبل بضعة أسابيع، ذهب الدكتور المحترم في خلاصة مقتضبة إلى أن تعليم اللغة العربية في مأزق بسبب القواعد التي أصبحت المحافظة عليها هو الهدف، حتى وصلنا مرحلة التقديس لها، وأنه يمكن فهم المعنى من منطق الجملة لا من الإعراب والقواعد، ثم توقع أن علماء النحو كالخليل وسيبويه لو علموا أننا نقدس كل ما وضعوه لأصابتهم الكآبة، وأما ردي فأقول في البداية إن القواعد في اللغة العربية كنظرية الإعراب والعامل ليست عاملا جماليا أو تعجيزيا بل عاملا فذا في توضيح استقامة الجملة في اللغة استقامة يفهمها العربي سواء في المشرق والمغرب، وأما الحديث بأن الكلام يقوم على الاحتجاج بالمعنى لا بقواعد اللغة العربية في بنائه وتركيبه، والمتكلم قادر على التأخير والتقديم في عبارات اللغة بحسب ما يحلو له دون دخل لقواعد اللغة، فهذا غير صحيح علميا لأن الإسناد بين الكلمات داخل اللغة القائم على قواعد هو من يضبط أركان الجملة، ولولا هذا الإسناد والتركيب بحسب قواعد اللغة لانهار بنيان الجمل من الأساس وما ساغ تقديم ولا تأخير ولا حذف، ولذلك كل اللغات المستعملة في العالم اليوم تنضبط عباراتها وتراكيبها بقواعد.
إن اللغة أداة للتواصل والتعبير عن الأفكار والحاجات، ولا تكن طريقة استعمالها اعتباطا بل إعمال الفكر في مسالك قائمة على قواعد نحوية وتركيبية منضبطة، ولولاها لما عبر المتكلم تلك المسالك، بمعنى أن القواعد النحوية الصرفية في التركيب اللغوي هي التي تتحكم في طرق إخراج المعاني من الذهن، فلا يستطيع المتكلم بلغة ما أن يفصح عن المعاني إلا بعد أن ينتظم عقله في سلك التعبير السليم المنضبط تحت قواعد اللغة والملتزم بشروط سلامة القول بين متحدثيها، وهذه القواعد تكونت وانتظمت في ذهنه بسبب تكرار الجمل السليمة حتى أصبحت ملكة راسخة عنده، يصدر عنها ويقوم بها كل تعبير في اللغة.
ولذلك اذا افترضنا جدلا بالموافقة على تسهيل قواعد اللغة العربية ولا أعرف ماهية هذا التسهيل هل بالإلغاء أم حذف الكثير من القواعد، فلنا أن نتساءل إذا فكيف نعلم من يريد تعلم اللغة العربية من الأجانب؟! وكيف يفهم الأجنبي الاحتجاج بالمعنى الذي لا تحكمه قاعدة علمية واضحة وهو ليس طريقة صحيحة في الاستدلال المنطقي، والدراسات اللغوية الحديثة كالتداولية التي هي نظريات في دراسة استعمال اللغة مقيدة بقيود تركيبية، فإذا اختلت القواعد النحوية تصعب بيان المعاني ومثارات المقاصد، ولذلك يعرف علم النحو (Syntax) بأنه طريقة تركيب تنظم وتركب الكلمات لتبين العلاقات الدلالية داخل الجملة.