نكمل في الجزء الثاني التوضيح العلمي حول القواعد ودورها في تعليم اللغة العربية فأضيف:
إن القول بعدم وجود حاجة فعلية إلى دراسة قواعد اللغة والكفاية بالاحتجاج المعنوي، هو ضرب من الخطأ المعرفي والتغافل عن التراكم العلمي في تراثنا الذي أثبته العلماء في الحاجة لوضع وتأسيس علم النحو والصرف، من أجل تجنب اللحن في الكلام بين العرب، ولتمكين المستعرب من الوصول لمرتبة العربي في الفصاحة، وهذا كان هدف سيبويه، رحمه الله، لما صنف كتابه العظيم في القرن الثاني الهجري في وصف وترتيب وضبط قواعد اللغة العربية، وأما جملة «مات الرجل» التي استشهد بها الدكتور العزيز حامد في كيفية يكون الرجل فاعلا، فقد سئل عن ذلك الإمام البطليوسي، رحمه الله، فأجاب: «لسنا نريد بالفاعل في صناعة النحو أن يكون محدثا للفعل ومخترعا له، وإنما نريد أن الفعل يسند إليه ويحدث به عنه سواء اخترعه أم لم يخترعه»، وهذا موجود في كل اللغات لأنه مفهوم في ضمن المجاز في كل لغة، فيقال في الألمانية في سياق مشابه (Mann stirbt bei Unfall) مات الرجل في حادث، والرجل فاعل هنا في قواعد اللغة الألمانية، التي أزعم معرفتها جيدا بعد دراسة طويلة فيها تضم الكثير من القواعد النحوية مثلا كالرفع والنصب والجر والإضافة مع سابقة ليست موجودة في اللغات الأوروبية وهي ثلاثة أدوات تعريف للاسم فإما (مذكر أو مؤنث أو محايد) ويجب على المتكلم معرفة أداة التعريف لكل اسم كي يستعمله داخل تصريف معين ومع ذلك لم أقرأ من يطالب بالتحرر من قيود القواعد في الألمانية.
أخيرا لا يوجد تقديس للنحو العربي الذي حمل اعتسافا وظلما تراجع اللغة العربية، كما زعم المستشرقون في بداية القرن المنصرم، أن مأزق اللغة العربية في الوطن العربي ليس في قواعد النحو التي يمكن إعادة ترتيب أوراقها وتدريسها بشكل حديث وبسيط مع التركيز على القراءة والحفظ في المراحل الدراسية وخاصة الابتدائية، وإنما المأزق في عدم وجود رغبة سياسية تدعم اللغة العربية على أرض الواقع، وتنفذ عشرات الاقتراحات والأفكار في التخطيط اللغوي للغة العربية، كما تصنع دول أخرى مع لغاتها.