في الحقيقة التاريخ الخيري الكويتي ثري معطاء، ومن أجل مظاهر ثرائه وأروعها، ذلك التدفق النابع من امتلاك مقومات عززت من تواجده بقوة على الأرض، يجوب في عنفوان بحثا عن أصحاب الحاجات من فقراء الأرض والمهمشين، فلا تبرح حتى تنجلي عن وجه الإنسانية غمته، ولله الحمد فالأمة والكويت ولادة، فقد رزقت هذه المسيرة العامرة ثلة من الرجال الأوفياء، كانوا على امتداد عهودها عنوان نهضتها، ووقود حركتها، وأمناء مسيرتها، لا تفتر همتهم، ولا تلين عزيمتهم، يقومون بما لا يقوم به إلا أولو العزم المتين.
ومن هؤلاء الأفذاذ الذين فجعت الكويت برحيلهم، رجل الإحسان ورائد من رواد العمل الخيري الكويتي الوفي، العم الشيخ عود الخميس الفزيع، لقد كان الفقيد ذا همة ونشاط، ورأي وإخلاص، رسالته المساكين، وشاغله الفقراء والمحتاجون، ولد، رحمه الله، في منطقة الشرق عام 1946م، ليواصل مبكرا تعليمه بالكويت حتى التحاقه عام 1970م ببعثة دراسية في جمهورية مصر العربية، ليعود بعدها ليلتحق بالعمل الديبلوماسي في وزارة الخارجية، ثم يعود مجددا ينشط لطلب العلم وهو الشغوف المجد، ولكن هذه المرة في المدينة المنورة طالبا للعلم الشرعي لمدة سبع سنوات، ليعين مدرسا بدور القرآن الكريم التابعة لوزارة الأوقاف حتى إحالته الى التقاعد.
عاش الرجل وفيا للعمل الخيري محبا لمسالكه، والذي وجد فيه مبتغاه، أداء لحق وطنه وأمته والإنسانية، فكان في حياته مهموما به صابرا على عنائه، سارع منذ البداية مع بعض رجالات الكويت، وعقب عودته من مصر في سبعينيات القرن الماضي، لوضع نواة العمل الخيري الكويتي المنظم، فولدت على يديه «لجنة زكاة كيفان»، وكان على رأس أولوياته إثراء المحيط الخيري محليا بعدد من الجهود الخيرية والإنسانية.
وقد ظل الفقيد يكابد في نصب واقفا حياته للعمل الخيري بجميع أوجهه، يتملك كيانه، وتلك تجارة لن تبور، يتفجر في قلبه ينبوع صاف من الرأفة، يحمل بين يديه مشاعل المواساة في بقاع الأرض، يجدد مع رفاق الدرب الأمل في قلوب انقطعت حيلتها بأسباب الحياة.
إن «النجاة» وهي تنعى فقيدها الغالي، ومن خلفها الكويت، شعبا أصيلا، وقيادة وفية نبيلة، وإنسانية معذبة كان لها نصيب من جهد الفقيد، لن تنسى ما قدمه من خدمات جليلة، حتى وإن أصابه سهم القدر الصائب، سيظل رمزا من رموز البر، ونجما يضيء بمآثره الطريق لمن يأتي من بعده، وسيمتد أثر مسيرته، تحيي في هذا الوطن وهذه الأمة مآثر من سلف، تؤكد مع كل اشراقة خيرية الأمة وعظمة رجالها الذين لم يبخلوا يوما في جعل الإحسان شعارا ومنهج حياة.
رحم الله الفقيد رحمة واسعة، وعوض أمته ووطنه وأسرته والإنسانية خير العوض.