نحن اليوم بين أرجى آية في كتاب الله، يقول الله عز وجل (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم)، الله تعالى في السورة العظيمة يفتح للعاصي باب الرجاء مهما كانت ذنوب العبد، ان الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت، انه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده، الرحيم بهم، ما دامت الحياة تدب بين جانبيك عد الى الله بالطاعة والتوبة من قبل ان يقع بكم عقابه ثم لا ينصركم احد من دون الله، واتبعوا أحسن ما أنزل اليكم من ربكم وهو القرآن العظيم، كله حسن، فامتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه من قبل أن يأتيكم العذاب فجأة وأنتم لا تعلمون به، الله يخاطبكم بربوبيته، فهو الرب الذي أعد وهيأ ويسر لك أسباب المعيشة وخلقك في أحسن تقويم إنه ربك المستحق وحده العبودية.
عذاب نفسي وجسدي
(أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله)، وأطيعوا ربكم وتوبوا اليه حتى لا تندم نفس وتقول: يا حسرتا على ما ضيعت في الدنيا من العمل بما أمر الله به وقصرت في طاعته وحقه، وان كنت في الدنيا لمن المستهزئين بأمر الله وكتابه ورسوله والمؤمنين به، او تقول: لو ان الله ارشدني في دينه لكنت من المتقين، او تقول حين ترى العذاب الذي احاط بك يوم الحساب: ليت لي رجعة الى الحياة الدنيا فأكون من الذين أطاعوا ربهم والعمل بما امر به الرسل، فيكون عذابهم نفسيا فوق العذاب الجسدي، ثم يخبر الله تعالى عن حالهم يوم القيامة (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة)، ويوم القيامة يكون هؤلاء المكذبون الذين نسبوا الى الله الشريك والولد وجوههم مسودة، أليس في جهنم مأوى ومسكن لمن تكبر على الله وامتنع عن توحيده وطاعته؟ بلى.
منزلة المتقين
في المقابل، ينجي الله من جهنم وعذابها الذين اتقوا ربهم، يخبرنا الله ان الله ينجي المؤمنين بفضله ويحقق أمنيتهم وهو الفوز بالجنة لا يمسهم من عذاب جهنم شيء ولا هم يحزنون على ما فاتهم من متع الدنيا.
(الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل)، الله عز وجل هو خالق كل شيء وكل شيء تحت تصرفه وتدبيره وهو على كل شيء وكيل، له مفاتيح خزائن السموات والارض يعطي منها خلقه كيف يشاء، والذين جحدوا بآيات القرآن هم الخاسرون في الدنيا والآخرة.
(قل أفغير الله تأمرونّي أعبد أيها الجاهلون)، ثم يلقن الله تعالى نبيه الحجة، كيف الذي خلق كل شيء والذي له مقاليد السموات والارض، وكيف أيها الجاهلون بالله تأمرونني ان اعبد ولا تصلح العبادة لشيء سواه.
لا يقبل مع الشرك عمل صالح
(ولقد أوحي اليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)، يبين الله لنبيه وأتباعه من بعده إن العبادة لا تكون إلا لله، ولقد أوحي إليك يا محمد وإلى من قبلك من الرسل: لئن أشركت بالله غيره ليبطلن عملك، ولتكونن من الخاسرين، دنياك وآخرتك، لأنه لا يقبل مع الشرك عمل صالح بل الله فاعبد يا محمد، مخلصا له العبادة وحده لا شريك له وكن من الشاكرين لله.
(وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة)، يقول الله تعالى لهؤلاء الكافرين: ما أعظم هؤلاء المشركون حق تعظيمه اذ عبدوا معه غيره ما لا ينفع ولا يضر، فسووا المخلوق العاجز بالخالق العظيم الذي من عظمته تعالى ان جميع الارض في قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه تنزه وتعاظم سبحانه وتعالى عما يشرك به هؤلاء المشركون.
(ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض)، نفخ في الصور فمات كل من في السموات والأرض إلا من شاء الله عدم موته ثم نفخ الملك النفخة الثانية مؤذنا بإحياء جميع الخلائق للحساب أمام ربهم، فإذا هم قيام من قبورهم ينظرون ماذا يفعل الله بهم.
(وأشرقت الأرض بنور ربها)، انتهى الأمر، وصار الناس جميعا بين يدي الله، وأضاءت الأرض يوم القيامة ونشرت الملائكة صحيفة كل فرد، وجيء بالنبيين والشهود على الأمم ليسأل الله النبيين عن التبليغ وعما اجابتهم به اممهم، كما تأتي أمة محمد صلى الله عليه وسلم لتشهد تبليغ الرسل السابقين لأممهم، فإذا انكرت هذا التبليغ تقوم الحجة على الأمم وقضى رب العالمين بين العباد بالعدل التام وهم لا يظلمون شيئا، ووفى الله كل نفس جزاء عملها من خير وضر.
(ألقيت هذه المحاضرة في مسجد فاطمة الجسار بمنطقة الشهداء)