أجرى التحقيق - هادي العنزي
قدم المنتخب المغربي مستويات فنية عالية الجودة، حظيت معها بإشادة واسعة من متخصصين وجماهير، وجعلت من لاعبيه محط أنظار أفضل الأندية الأوروبية، وأهلته للوصول إلى الدور نصف النهائي، ليصبح أول فريق عربي وأفريقي يصل إلى هذه المرحلة المتقدمة في أفضل بطولات العالم.
وهناك من يرى أن تواجد عدد غير قليل من اللاعبين على قدر عال من الكفاءة الفنية والبدنية، كان سببا رئيسيا وراء التفوق المغربي، وهناك على الجهة الأخرى من يرى أن الدعم الجماهيري الكبير كان عاملا حاسما في رفع الروح المعنوية لـ «أسود الأطلس» ليقدموا أفضل المستويات، وثالث جعل القيادة الفنية للمدرب المغربي وليد الركراكي السبب الرئيسي وراء العلامة الفارقة التي سجلها الفريق العربي والأفريقي الوحيد في نصف نهائي مونديال قطر 2022.
«الأنباء» حملت الأسئلة المتعلقة بالإنجاز المغربي في المونديال، وتوجهت إلى عدد من المختصين بالشأن الفني، لتستطلع الإجابات، وتكشف الأسرار
وراء الثورة المغربية في كأس العالم، ومدى إمكانية أخذ الفريق المغربي كنموذج يحتذى، وتجربة يمكن الاقتداء بخطواتها، لتحقيق أخرى ناجحة في الوطن العربي.
عبدالعزيز حمادة: الجماعية والحضور الذهني قلّصا الفوارق الفنية
أكد لاعب نادي السالمية والمنتخب الوطني والمدرب عبدالعزيز حمادة أن المنتخب المغربي يعد من بين أفضل الفرق العربية والأفريقية على حد سواء، كما أن أغلب لاعبيه محترفون في أفضل الأندية الأوروبية الكبرى، ويمتازون باللعب برتم عال جدا، ويعتمدون على الجانب المهاري، فضلا عن توافر القوة البدنية بشكل كبير، كما أن لديهم مدربا يتعامل بمرونة تكتيكية عالية، وذلك رغم الضغط المكثف للمباريات، بالإضافة إلى أن «أسود الأطلس» فريق يتألق في البطولات المجمعة، بعكس منتخبات أخرى قد لا تجدها تقدم أفضل ما لديها في البطولات المجمعة، وأثبت ذلك عمليا عندما أخرج بلجيكا، وإسبانيا، والبرتغال تواليا، وتغلب على كندا، وتعادل مع كرواتيا.
وأشار مدرب الأزرق السابق عبدالعزيز حمادة إلى أن الأجواء الخاصة التي شهدها المنتخب المغربي في قطر ساهمت بشكل كبير في الظهور الفني اللافت، وقال: «جماعية الأداء، والحضور الذهني، والروح العالية، والجماهير العربية العريضة التي آزرت، وتواجد عائلات اللاعبين، كلها عوامل مساعدة نفسيا، حتى أصبح «أسود الأطلس» يلعب وكأنه على أرضه وبين جماهيره، فيما كان عاملا سلبيا على الفرق المنافسة، ورصدنا بإعجاب حرص اللاعبين المغاربة على الاحتفال مع أسرهم، وهذا يعد رسالة انسانية لجميع اللاعبين بأهمية دور الأسرة في التطوير ورفع العامل النفسي، بالإضافة إلى أنها رسالة وفاء وتقدير لأسرهم»، مشددا على أن فوز المغرب على فرنسا في نصف النهائي اليوم لن يكون مفاجأة، لأن المستويات متقاربة، والفوارق ضئيلة بين المنتخبين.
راشد بديح: كرة جميلة ومرونة تكتيكية
أكد لاعب وسط نادي القادسية والمنتخب الوطني سابقا المدرب راشد بديح أنه لا يوجد أسرار لكشفها فيما يتعلق بتألق المنتخب المغربي، وقال: «أصبحت عالم الكرة كتابا مفتوحا، ولمن يريد التطوير فما عليه سوى الأخذ بالأسباب، وهناك عدة عوامل رئيسية وراء نجاح التجربة المغربية، ولمن ينظر إلى اللاعبين كعناصر منفردة، فإن الجميع محترف في أفضل الأندية الأوروبية باستثناء الظهير الأيسر يحيى عطية الله الذي يلعب لفريق الوداد البيضاوي المغربي، واحتراف نجوم المغرب لم يكن وليد المصادفة أو بضربة حظ، وإنما جاء نتيجة لتميزهم فنيا وبدنيا، وتطور أدائهم مع تلك الأندية، مما انعكس إيجابا على المنتخب المغربي في كأس العالم، ليحققوا إعجازا كرويا عالميا»، لافتا إلى أن المغرب يقدم كرة متزنة دفاعا وهجوما وجميلة في شكلها العام.
واشار بديح إلى أن المنتخب المغربي امتاز بالمرونة التكتيكية، مضيفا: لكل مواجهة حساباتها الفنية المختلفة عن سابقتها، فمواجهة بلجيكا في دور المجموعات اختلفت فنيا عن الطريقة التي لعب بها المدرب الركراكي أمام إسبانيا، وكذلك البرتغال، فضلا عن الروح العالية التي تحلى بها الفريق في جميع مبارياته.
وذكر الدولي السابق راشد بديح أن تكرار تجربة المغرب أمر وارد الحدوث، ولكن ذلك يتطلب اتخاذ العديد من الخطوات الكبيرة، لعل من أهمها البدء في المراحل السنية، والانتقال تدريجيا نحو الاحتراف، ولعل الأقرب خليجيا منتخبات السعودية والإمارات، وقطر لما تملكه من أرضية خصبة، وبيئة مثالية تمكنه من المضي قدما نحو العالمية.
خالد أحمد: انضباط تكتيكي وتوظيف مثالي
ذكر المدرب الوطني خالد أحمد أن السبب الأول وراء تفوق المغرب يعود الى احتراف لاعبيه في أفضل 5 دوريات أوروبية، وهذا الأمر منحهم خبرة كبيرة في كيفية التعامل مع المباريات الكبيرة، مضيفا: «شهدنا بإعجاب كبير الروح العالية التي قدمها نجوم المغرب في كل مباراة على حدة، وحبهم الكبير لوطنهم الذي ظهر جليا في حماستهم الطاغية، وهذا تجلى في أبهى صوره الإيجابية في أغلب مبارياتهم بالمونديال، فضلا عن الانضباط التكتيكي، وتوظيف المدرب الركراكي المثالي للاعبين، ومعرفته الكاملة بقدراتهم الفنية والبدنية، بالإضافة إلى قربه الكبير منهم».
وأشار أحمد إلى أن المنتخب المغربي لم يظهر مدافعا في أغلب مبارياته، بل تنوع من الناحية التكتيكية بحسب معطيات كل مباراة على حدة، وهذا أمر لا يعيبه في شيء من الناحية الفنية، فهو يدافع عندما كانت الضرورة تستدعي ذلك، ويهاجم عندما يحتاج للتسجيل.
وعن امكانية تعميم تجربة المغرب عربيا وخليجيا بشكل خاص، قال: «الاحتراف الخارجي للاعبين هو البداية، حيث لن يتطور اللاعب دون الاحتكاك مع لاعبين وفرق أفضل فنيا وبدنيا، يأخذونه معهم إلى مستويات أعلى، كما أن مدى حاجة اللاعب كفرد لتطوير مستواه فنيا وبدنيا تعد عنصرا مهما في تكوين اللاعب، وهذا أمر لن يتحقق إن لم تكن هناك دوافع ذاتية مصحوبة برغبة شخصية للتطوير، ومن ينظر إلى ممارسة الكرة على أنها عمل إضافي أو تقضية لوقت الفراغ فهذا سيبقى خارج المنظومة الكروية العالمية»، لافتا إلى أن اللاعب الكويتي لايزال حتى وقتنا الحالي يذهب إلى المباراة بسيارته الخاصة، وهذا أمر لا يحدث في أغلب دول العالم!.