أيام وتغيب شمس مونديال كأس العالم المقامة في قطر، وتنفض البطولة التي تابعها ثلثا سكان العالم بما يعادل 5 مليارات نسمة وحضرها من أقاصي الأرض مليون ونصف المليون مشجع.. بطولة ناجحة بكل المقاييس أشاد بها القاصي والداني وتجربة فريدة، فلأول مرة يقام كأس العالم في دولة عربية وإسلامية.
ومونديال كأس العالم ليس مجرد بطولة عالمية تقام كل 4 سنوات، بل هو قوة ناعمة مؤثرة من خلالها تستطيع أي دولة تستضيف المونديال أن تضع نفسها على الخارطة العالمية وتحقق رؤيتها وأهدافها وتطلعاتها، ففي مونديال 2018 الذي أقيم في روسيا حرصت روسيا على أن تقدم نفسها للعالم على أنها دولة سلام خاصة بعد ضم القرم في عام 2014 وفي مونديال 2006 والذي أقيم في ألمانيا حرصت ألمانيا على أن تفتح على العالم وان تمحي فكرة حركة النازيين الجدد التي أعادت ألمانيا لإرث الحرب العالمية الثانية وفي مونديال 2002 حرصت كوريا الجنوبية على تقديم نفسها كدولة سياحية وإنتاجية وجهة من جهات السياحة المستقبلية.
وعندما أقيم المونديال في قطر حرص الإعلام الغربي في هجومه على تصوير قطر والعالم العربي والإسلامي على أنه صحراء وجمال وبيوت شعر ومجموعة مسلحين رثي الملابس وهمجيين يجوبون الشوارع وأن قطر مجموعة آبار بترول وسيارات فارهة وكل تاجر حوله 4 زوجات.
استطاعت قطر أن تكسر هذه النظرية وتستخدم المونديال كقوة ناعمة لتحقيق العديد من القيم، أولاها تعزيز التراث الخليجي والعربي والإسلامي المحافظ والذي رأيناها في استضافة الموطنين القطريين لمشجعي الفرق في منازلهم واستقبالهم بالقهوة ورأينا انتشار الزي الخليجي بين المشجعين الأجانب، بل حتى في بناء الملاعب تم على التراث الخليجي، رأى العالم قطر المتطورة بأبنيتها وطرقها وتنظيمها المتميز وبشعبها الودود المضياف، وليست كما صورها الإعلام الغربي سابقا.
رأينا قطر تعزز القيم الإسلامية والمبادئ القيمية وتعطي انطباعا إيجابيا عن الإسلام وسماحته، فالحجاب الذي تحاربه الأحزاب المتطرفة في أوروبا ويمنع لبسه تستطيع المشجعة الأوروبية أن ترتديه وتصور نفسها وكثيرا منهن تتقبله، ورأينا المساجد منتشرة ومفتوحة للجميع، والدعاة يؤدون دورهم في التعريف بالإسلام ورأينا تعزيز الفطرة السليمة بمنع الشذوذ والخمور على الأقل في المدرجات وباعتراف الكثيرين أن مشاهد العنف والتحرش بالنساء خفت بشكل كبير ولم نر مظاهرات وصدامات كما رأيناها في مونديال 2014 في البرازيل.
قطر أوجدت أثرا قيميا وفكريا سيغير قناعات كثير من الأجانب والأوروبيين فهم يرون بأعينهم ويتعايشون مع الشارع القطري والإسلامي ويرون أن الإسلام دين فطرة ودين رحمة وتعايش، وليس كما تصوره التيارات الليبرالية المتطرفة والإعلام الغربي.
قطر نسفت نظرية الإسلاموفوبيا على الأقل لجزء كبير من متابعي كأس العالم، وهذا يعزز الدراسة التي أجريت عام 2005 والتي كانت بعنوان «تأثير حدث رياضي ضخم على الانطباعات الذهنية على البلد المستضيف» نموذج مونديال كأس العالم لعام 2002 في سيئول، وأظهرت الدراسة أن غالبية الجمهور الحاضر للمونديال خرج بانطباع محدد عما تقدمه الدولة والشعب المستضيف ومن خلال مجريات البطولة في قطر، فإن الانطباعات المنقولة في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي أغلبها إيجابية والثناء والشكر لقطر.
شكرا قطر.. أثبتت قطر أن الدول تتقدم بقيمها وتراثها وإسلامها وحسن إدارتها.