تقرير ـ هادي العنزي
حظي متتبعو المواهب الشابة بصيد وفير في مونديال قطر، بعدما رصدوا العديد من المواهب الكروية، وبحسب مسمياتهم «المشاريع الرياضية» الناجحة في عالم الكرة، والتي ستدر عليهم أمولا طائلة في السنوات القادمة، بعد أن شهد «مونديال العرب» تألق العشرات من اللاعبين صغار السن، قليلي التجربة، مع منتخباتهم الـ 32 التي شاركت في البطولة الأكثر مشاهدة وإثارة في العالم.
وعلى الرغم من حرص أغلب الأجهزة الفنية المشاركة في كأس العالم على الاستعانة بلاعبين قادرين على تحمل المسؤولية، ويتمتعون بخبرات تراكمية تجعلهم في مأمن من الضغط العصبي، الإعلامي، والجماهيري المصاحب للبطولة، إلا أن الفرصة كانت حاضرة وإن لم تكن بشكل كبير للاعبين الشباب، لكي يقدموا مواهبهم للعالم. «الأنباء» رصدت كوكبة من النجوم الذين كان لهم تأثير كبير، وحضور بهي مع منتخبات بلادهم، خرج عدد منهم في الأدوار الأولى، فيما كان للآخرين منهم حضور صاخب حتى اليوم الأخير للمونديال، بفضل قدراتهم الفنية المتنوعة العالية، وتجاوبهم الإيجابي مع متطلبات كل مباراة مونديالية، ومرونتهم التكتيكية، حتى أصبحوا لا غنى عنهم في التشكيلة الأساسية، وعلامة فارقة مع منتخباتهم، ومحل حديث دائم لدى المتابعين والنقاد وصائدي المواهب الثمينة.
ألفاريز.. رجل ميسي للمهمات الخاصة
٭ الاسم: جوليان ألفاريز
٭ المنتخب: الأرجنتين
٭ النادي: مان سيتي (إنجلترا)
٭ تاريخ الميلاد: 31 يناير 2000
المونديال ليس كله ميسي، وكذلك الأرجنتين، لا يستطيع أسطورة هذا الزمان ذو القدم اليسرى فعل كل شيء وحده، فهو بحاجة إلى مساعدة، وإن لم يطلبها، وكان جوليان ألفاريز حاضرا، ومكملا لـ«البرغوث» الاستثنائي، قدمه اليمنى القوية حينما يحتاج إليها، وطاقته الاحتياطية، والمنفذ المتقن للمهام التي يتطلب تنفيذها ميسي ولاعب آخر. وقد ساهم مونديال قطر في تقديم المهاجم الشاب ألفاريز (22 عاما) بأفضل صورة ممكنة، وفرضه نجما كبيرا في قادم الأيام، فقدرات ألفاريز الهجومية التي تفجرت وروحه القتالية العالية أمام كرواتيا، من شأنها أن تضع المدرب الإسباني بيب غوارديولا في موقف محرج إن لم يشركه أساسيا في مباريات مان سيتي بالدوري الانجليزي عند استئنافه الأيام المقبلة.
ألفاريز.. يمتاز بروح قتالية عالية، تجسدت أمام كرواتيا تحديدا في الدور نصف النهائي، بعدما ساهم في إحراز أهداف فريقه الثلاثية، إذ تسبب في الحصول على ركلة جزاء ترجمها ميسي لهدف أول، ثم سجل الهدفين الثاني والثالث، كل ذلك والشاب لم يتجاوز 22 عاما، وعدد مبارياته الدولية مع الأرجنتين لا يزيد على 8 مباريات سجل فيها 7 أهداف في مسيرة كروية واعدة.
جاكبو.. «قاتل» على خطى فان باستن ونيستلروي
٭ الاسم: كودي جاكبو
٭ المنتخب: هولندا
٭ النادي: ايندهوفن (هولندا)
٭ تاريخ الميلاد: 7 مايو 1999
لا تتوقف «الطواحين» عن تقديم هدافين من طراز رفيع، والأمثلة كثيرة ويصعب حصرها، فهناك أسطورة أوروبا والعالم يوهان كرويف، والفتاك ماركو فان باستن، والرائع رود فان نيستلروى والقائمة تطول، وفي مونديال الدوحة قدمت هولندا هدافا من الطراز الرفيع، فكودي.. بدأ صاعقا بتسجيل الأهداف في مباراة تلو الأخرى، ليعلن حساب «فيفا» أن الموهبة الجديدة يعد رابع هولندي يسجل في 3 مباريات متتالية في تاريخ مشاركاتها بالمونديال، كما أنه صاحب ثاني أسرع هدف في مونديال 2022، بعدما سدد بقوة في شباك الإكوادور في دور المجموعات، بعد مضي 5 دقائق فقط، فيما وضع المدافع الكندي ألفونسو ديفيز اسمه أولا بعدما سجل في شباك كرواتيا بعد مرور دقيقة واحدة و7 ثوان فقط.
فعالية كودي الهجومية، وقدراته البدنية المثالية (طوله 1.93 سم) جعلته محط أنظار كبار أوروبا، وصيدا ثمينا للأندية التي تعاني من ضعف في خط المقدمة، وقد بدأت بالفعل تحركاتها من أجل الحصول على توقيعه، وتقدم مان يونايتد بأخذ الخطوات الأولى في هذا الاتجاه، وربما حان الوقت لبدء مغامرة جديدة للمهاجم الواعد بعد أن قضى 4 مواسم مع إيندهوفن بدءا من 2018، فيما كانت بدايته مع الطواحين العام الماضي، وشارك في 10 مباريات، وسجل في 4 مناسبات مختلفة.
كول.. من المعاناة إلى معادلة سجل بيليه!
٭ الاسم: غارانغ كول
٭ المنتخب: أستراليا
٭ النادي: نيوكاسل يونايتد (انجلترا)
٭ تاريخ الميلاد: 15 سبتمبر 2004
حكاية المهاجم الأسترالي الشاب غارانغ كول أقرب ما تكون إلى رواية درامية مثيرة، مليئة بالمنعطفات الدراماتيكية، يتخللها الغموض في جميع تفاصيلها، وغنية بالعزيمة والكفاح والإصرار على النجاح، فقد ولد في مصر بعدما انتقل والداه من جنوب السودان هربا من الحياة البائسة التي كانا يعيشانها، ومن مصر إلى استراليا لاجئا واسرته، لتبدأ بعدها الخطوات الأولى لموهبة واعدة احتضنها نادي مارينرز، ومن بعدها وجد كشافي نيوكاسل فيه موهبة تتسق مع الرؤية بعيدة المدى ورغبته في مزاحمة كبار الأندية الأوروبية في قادم الأعوام، ليتم التعاقد معه كأصغر لاعب أسترالي وهو بعمر 18 عاما فقط، وذلك بعد أسبوع واحد فقط من مشاركته في الدوري الأسترالي الممتاز، ليصبح أصغر لاعب يشارك في المسابقة منذ هاري كيويل بعمر 17 عاما، ولينضم بعدها إلى المنتخب الأسترالي المشارك في كأس العالم وليسجل حضوره كأصغر لاعب يشارك في الأدوار الإقصائية بكأس العالم منذ بيليه عام 1958.
وجاءت مشاركته في المونديال جيدة رغم عدم حصوله على الفرصة الكاملة، فقد شارك أمام الأرجنتين بديلا والبهجة تفر من عينيه وهو يلعب أمام مثله الأعلى ميسي، وكان قريبا من التسجيل في شباك «التانغو» لكن تألق الحارس مارتينيز منعه من كتابة تاريخ جديد للشاب «الإفريقي ـ الأسترالي».
بيلينغهام.. لاعب متكامل ومطلب كبار المدربين
٭ الاسم: جود بيلينغهام
٭ المنتخب: إنجلترا
٭ النادي: بوروسيا دورتموند (ألمانيا)
٭ تاريخ الميلاد: 29 يونيو 2003
اللاعب الجيد لا ينتظر طويلا لإثبات قدراته الفنية وجودته العالية، وكذا الأمر مع «جود» ذي الطول الفارع (186 سم)، الذي سرعان ما قدم نفسه في المناسبة الأكبر في العالم، بعدما سجل أول أهداف «الأسود الثلاثة» في المونديال بشباك إيران ضمن سداسية قاسية على المنتخب الآسيوي، ليصبح «جود» ثاني أصغر لاعب في تاريخ إنجلترا يسجل هدفا في المونديال بعد مايكل أوين في مونديال 1998، ومحل ثقة غاريث ساوثغيت الكاملة، وإن نالها مبكرا بعدما ضمه المدرب لكوكبته وهو لم يتجاوز الـ 17 ربيعا، ليصبح حينها أصغر لاعب إنجليزي يخوض مباراة بإحدى البطولات الكبرى «يورو 2021». لم يغب جوهرة بوروسيا دورتموند، وأحد أفضل اللاعبين في الدوري الألماني، عن مباريات انجلترا الأربعة في المونديال، فقدم امكاناته الفنية، وزاد من فاعلية «الوسط الإنجليزي»، وأثرى «تكتيك» ساوثغيت بمختلف الخيارات التي تتطلبها المواجهات المونديالية لمرونته التكتيكية والتزامه بتطبيقها، ما جعله مطلبا أول للعديد من مدربي الأندية الأوروبية، وفي مقدمتهم المدير الفني لريال مدريد كارلو انشيلوتي، ليضعه بديلا مثاليا للكرواتي لوكا مودريتش، فيما يرصده بيب غوارديولا من جهته ليحل بدلا من البلجيكي كيفن دي بروين مستقبلا، بينما يمني النفس الألماني يورغن كلوب ليكون القلب النابض للريدز. ولا يبدو أن المقام سيطول بجود بيلينغهام في دورتموند بعدما اشتكى من العنصرية البغيضة التي يواجه بها بين حين وآخر.
«أوناحي الساحر».. جميع الحلول متوافرة
٭ الاسم: عزيز الدين أوناحي
٭ المنتخب: المغرب
٭ النادي: انجيه (فرنسا)
٭ تاريخ الميلاد: 19 ابريل 2000
نزل الشاب عزالدين المولود في الدار البيضاء (كازابلانكا بالإسبانية) كالخبر السعيد على قلب مدرب «أسود الأطلس» وليد الركراكي، وكان اللاعب «الجوكر»، كلما أسند إليه مهمة صعبة، أنجزها بنجاح، تكفل بتعطيل خط الوسط في إسبانيا في ثمن النهائي، وخرج مدرب «الماتادور» بعد خسارته مبديا إعجابه واستغرابه من القدرات العالية للشاب الأسمر النحيل الذي لا يتجاوز وزنه 62 كغم وبطول 182 سم، وقال عنه: «فوجئت باللاعب رقم 8 (أوناحي). يا إلهي من أين أتى هذا الفتى؟ لقد كان يلعب بطريقة مدهشة».
ولم تقتصر الإشادة على المدرب الإسباني فقط، بل تقدم البرتغالي الداهية مدرب نادي روما جوزيه مورينيو معبرا عن إعجابه بالقدرات الخارقة للاعب، وقال: «كان مذهلا للغاية، لقد قدم أداء كبيرا» وبحسب صيحفة «آس» الإسبانية، وما قدمه اوناحي من أداء متكامل متواصل بدءا من الدور الأول، ومرورا بإسبانيا، ثم البرتغال ونجومه رونالدو وفرنانديز وغواو فيليكس، سيضع نادي الفرنسي انجيه في «ورطة مفرحة» وهو يتلقى العروض المغرية من أكبر الأندية الأوروبية، خاصة أن النادي الفرنسي يعاني من مشاكل مالية بشأن الموافقة على انتقال اوناحي الذي يمتد عقده مع النادي حتى 2026 أن يسهم بحل جميها، أو أغلبها، وقد بدأ كبار أوروبا بالفعل تحركهم للاستفادة من خدمات الشاب المغربي، حيث ذكرت صحيفة موندو ديبورتيفو الإسبانية أن برشلونة أبدى اهتمامه بعز الدين.
راموس.. هداف بالفطرة وكابوس «الدون»
٭ الاسم: غونزالو راموس
٭ المنتخب: البرتغال
٭ النادي: بنفيكا (البرتغال)
٭ تاريخ الميلاد: 20 يونيو 2001
خطف «الدون» البرتغالي كريستيانو رونالدو الأضواء من جميع أفراد منتخب بلاده قبل وأثناء المونديال، لكن تلك الأضواء الساطعة لم تكن حوله في المباريات الأخيرة لفريق «سيليساو أوروبا»، بعدما سحبها رغما عنه المهاجم الشاب غونزالو راموس، الذي لم يخيب اعتماد مدربه فرناندو سانتوس الذي أرغم «الدون» على الجلوس على مقعد البدلاء لتأديب وتهذيب سلوكه أولا، ولإتاحة الفرصة لمواهب البرتغال الشابة ثانيا، وكان راموس على الموعد فتفجر أهدافا بشباك منتخب سويسرا في «الليلة الظلماء» التي عاشها المنتخب الأوروبي في دور ثمن النهائي، اذ تلقت شباكه 6 أهداف، كان نصيب راموس وحده منها 3 مسجلا أول «هاتريك» في المونديال القطري، وهو رقم استعصى على نجوم المونديال بمن فيهم رونالدو نفسه، وليكون أول لاعب يسجل 3 أهداف في مباراة واحدة منذ 20 عاما.
وكانت مؤشرات راموس مبشرة وواعدة قبل انطلاق المونديال، حيث سجل هدفا وصنع آخر في ودية البرتغال ونيجيريا رغم دخوله بديلا، إلا أن ذلك لم يمنحه الثقة الكافية من سانتوس في دور المجموعات، حيث لعب 12 دقيقة فقط في 3 مباريات، ولعل سخط سانتوس على رونالدو كان بمنزلة الفرصة التي طال انتظارها وأحسن استغلالها راموس «كابوس رونالدو الجديد».
موسيالا.. أفول شمس «المانشافت» لم يحجب «الجمال»
٭ الاسم: جمال موسيالا
٭ المنتخب: ألمانيا
٭ النادي: بايرن ميونيخ
٭ تاريخ الميلاد: 26 فبراير 2003
في مشهد يكاد يكون متطابقا مع مونديال 2018 في روسيا، غادرت ألمانيا من الدور الأول في خيبة جديدة للكرة الألمانية المعروفة بتاريخها الكبير، وأساطيرها الخالدة في سجلات التاريخ الرياضي، لكن رغم «سوداوية» المشهد والانتقادات الكثيرة التي تلقاها «المانشافت» على خلفية «الصورة المحرجة» التي رسمها في بداية المونديال، بعدما غطى لاعبوه أفواههم، إلا أن ذلك لم يمنع المتابعين وهم يشاهدون أفول شمس «المانشافت»، أن يلحظوا الموهبة الشابة المتمثلة في«جمال» الذي يعد من أبرز اللاعبين التي قدمت أداء متميزا في الدور الأول للمونديال. موسيالا المولود في ألمانيا لأب بريطاني ـ نيجيري وأم ألمانية، نشأ في إنجلترا، ومثل منتخبي ألمانيا وإنجلترا على مستويات الشباب، لكنه في نهاية المطاف فضل «الماكينات» على «الأسود الثلاثة» ليرتدي قميصها رسميا في فبراير 2021، وليشارك معها في أمم أوروبا 2020 وهو لم يتجاوز الـ 19 عاما، وقد قدم وصلة فنية مجمعة أمام كوستاريكا بالدور الأول، بعدما أصبح أول لاعب شاب في تاريخ كأس العالم يقوم بـ12 مراوغة ناجحة في مباراة واحدة، وذلك يدل على أن «الكمال» الفني الذي قدمه «جمال» لا ينحصر في الموهبة فقط، بل يحتاج إلى ثقة عالية تعزز وتمهد الطريق لبزوغ الموهبة، وتعجل بسرعة اكتشافها وتألقها، تماما كسرعة «جمال» وهو يتجاوز خصومه سواء بقميص ألمانيا أو النادي البافاري.