الحيرة هي الارتباك والتردد في فعل شيء، أما الخيرة فهي أن يستخير المرء الله تعالى في أمر مهم يريد أن يفعله، لذلك قالوا الخيرة فيما اختاره الله، وهي من اختيارك الشيء، وكم أناس وأناس عاشوا لحظات عصيبة بين حيرة وخيرة، ومن الصعوبة بمكان أن يقع المرء بين أمرين مهمين يحتار بينهما لا يدري أيهما يختار، ويتردد كثيرا حيال ذلك.
والأصعب منه أنك لا تستطيع ذكر هذا الأمر لأحد فيعطيك النصيحة ويريحك من هذا التردد، فتظل ليلتك ساهرا لم يغمض لك جفن لا تدري ما الذي تفعله مثل من يقدم رجلا ويؤخر أخرى، وهذه هي الحيرة بعينها، لا كما يذكر البعض: أنا محتار أين أسافر العام، أو إلى أين أذهب اليوم وما شابه ذلك من أمور ليس لها أهمية، وكان الناس عندنا يقولون: إذا أردت أن تحيره فخيره، وهنا لابد أن نضع في ذهننا أمرين مهمين للغاية علينا القيام بهما ما دمنا في حيرة من أمرنا، أولهما الاستشارة كنحو قول. فتيان الشاغوري:
شاور سواك إذا نابتك نائبة
يوما وإن كنت من أهل المشورات
وقد قيل: ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار
أما الاستخارة فأنت تفوض أمرك إلى مالك الأمر، ومفتاحها اليقين، وأن ترضى بما سيؤول إليه أمرك، وما كتبه الله لك وهو الذي أحاط بكل شيء علما، والحقيقة أن مصدر الحيرة في النفس البشرية أنك لا تعرف عواقب الأمر الذي تريد أن تفعله، فهل سيكون لك أم عليك؟ فأنت في تردد وخوف أتفعل الأمر أو تتركه.
يقول ابن تيمية، رحمه الله، في هذا الصدد: ما ندم من استخار الخالق، وشاور المخلوقين، وتثبت في أمره، والمرء لا يدري أين تكون الخيرة فيوكل أمره لله القائل: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون) وعندما أراد عمر بن الخطاب قتال الفرس، وكان ذا رأي وفطنة وكياسة لم يستبد برأيه، ولكنه جمع الصحابة وشاورهم بأن يقود الجيش فأشار عليه علي بن أبي طالب أن يبعث قائدا يختاره وألا يذهب بنفسه فليس هذا الأمر من الحكمة بشيء فأخذ عمر برأي علي وبعث على رأس الجيش سعد بن أبي وقاص فكان الفتح المبين، ودمتم سالمين.