- الكوس: للمظلوم أن يدعو الله عز وجل على ظالمه بقدر ظلمه ولو صبر فهو خير له
- الحزيمي: الله لا يحب الجهر بالسوء من الكلام وهناك استثناءات ذكرها العلماء
- المهيني: لا بأس لمن ظُلم أن ينتصر ممن ظلمه بمثل ظلمه ويجهر له بالسوء من القول
- الشمري: الجهر بالسوء وقبيح الكلام ليس مما يحسن بل هو ما يسوء إلا من وقع عليه الظلم
قال الله عزو جل: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما) ما مخاطر الجهر بالسوء؟ وهل الآية فيها إذن للمظلوم بجميع انواع الجهر بالسوء من القول؟ وهل (إلا من ظلم) يجوز له أن يدعو على ظالمه ويجهر بكلمة السوء في ظالمه؟ وهل الآية نزلت ترخيصا للمظلوم أن يجهر بشكوى الظالم وأن يدعو عليه؟ هذا ما يوضحه لنا علماء الشرع.
في البداية يقول د. أحمد الكوس: حثت الشريعة الإسلامية على الاخلاق الطيبة وحسن الخلق والكلمة الطيبة، وعلى بث التسامح والعفو وغيرها من الأخلاق الكريمة، وفي المقابل أعطت لكل مسلم حقوقه إذا انتقص أحد منه، ومن ذلك الجهر بالسوء إذا ظلم المسلم من غيره، ولكن الجهر بالسوء يجعل المسلم دائما يبالغ في كلامه وقد يحصل منه ما يشعر بالانتقام من كلامه ودعائه على من ظلمه.
وأشار د.الكوس إلى ان الشريعة من القرآن والسنة أباحت للمظلوم ان يجهر بالسوء على كل من ظلمه وتعدى عليه وعلى حقوقه. ففى تفسير ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما: «لا يحب الله الجهر بالسوء من القول»، يقول لا يحب الله ان يدعو احد على احد الا ان يكون مظلوما فإنه قد ارخص له أن يدعو على من ظلمه وذلك قوله: الا من ظلم وان صبر فهو خير له. وجاء في تفسير السعدي ـ رحمه الله: «إلا من ظلم» أي فإنه يجوز له ان يدعو على ظالمه ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير ان يكذب عليه، ولا يزيد على مظلمته ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه، ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته أولى كما قال تعالى: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله).
وعن جواز الدعاء على الظالم ولو كان مسلما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ لما ارسله إلى اليمن: «واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» وغيرها من الاحاديث تدل على جواز الدعاء على الظالم بقدر ظلمه، ولا يخصص احدا باسمه حتى لا يكون انتقاما، فالعفو والتسامح من سمات الاسلام وليكثر المسلم الدعاء لمن أساء اليه وظلمه، ولنا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في ذلك ولنا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة عندما ذهب يدعو أهل الطائف فضربوه بالحجارة فدعا الله تعالى أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك بالله شيئا.
استثناءات
من جهته، قال الشيخ رائد الحزيمي: يقول الله عز شأنه في الآية (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) فالله جل جلاله لا يحب ان يجاهر بالسوء من الكلام مثل الغيبة وقول الفحش وهذا النهي عن الجهر بالسوء له، وهناك استثناءات ذكرها العلماء منها: انه يجوز لمن وقع عليه الظلم ان ينقل مظلمته ويتكلم بها عند القاضي او من يستطيع ان يرد له مظلمته وينصفه ممن ظلمه كمثل: لو ظلم الشريك شريكه فللشريك المظلوم ان يرفع مظلمته لدى القاضي او من يستطيع أن يرد له مظلمته، وكذلك الزوجة تتظلم لدى الجهة التي ترد لها حقها وتشتكي عندها مثلما اشتكت خولة بنت ثعلبة من زوجها اوس بن الصامت بالسوء من القول، وكذلك عندما جاءت هند بنت عتبة رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها أبا سفيان رضي الله عنه أنه لا يعطيها ما يكفيها هي وابنها. ومنها اذا رأى الزوج أن زوجته مع رجل آخر وهو يزني بها فله ان يلاعنها عند القاضي كما جاء ذكرها في أول سورة النور فيمن رأى مع زوجته رجلا آخر وهما في وضع الزنى ولا يوجد لديه أربعة شهداء فتكفي شهادته عند القاضي وتسمى في الشرع الملاعنة وهي مذكورة في كتب الفقه، وكذلك العامل اذا ظلمه رب العمل فله ان يرفع شكواه للقضاء او من بيده انصافه واعطاؤه حقه، ومنها كذلك جواز ان يدعو المظلوم على من ظلمه ولكن لا يتعدى بدعائه وتكون في حدود مظلمته كمن يتجاوز المظلوم ويدعو على من ظلمه ومنعه حقه او اعتدى عليه بأن يدعو عليه بذهاب بصره أو بهلاكه او ان يصاب بمصائب فيتعدى بالدعاء عليه بأكثر مما وقع عليه من ظلم، ومنها يجوز للدائن ان يتكلم بعرض المماطل بسداد الدين او منكر الدين فحل له ان يتكلم ويعرض مطالبته بالدين.
المدافعة
من جهته قال د. صلاح المهيني: حماية اعراض الناس وعدم ذكرهم بسوء ما لم يظلموا من أهم مقاصد الشريعة، فإذا وقعوا في الظلم رفعت الشريعة هذه الحماية عنهم وسمحت للمظلوم ببث شكواه للناس عامة وهذا توفيق رباني بين اقامة العدل الذي لا ظلم فيه وبين الاخلاق التي تتعارض مع خدش الحياء الاجتماعي. وحول ما أجازته الشريعة للمظلوم في الجهر به، قال د. المهيني: يقول الحسين: هو الرجل يظلم الرجل فلا يدعُ عليه ولكن ليقل: اللهم أعني عليه، اللهم استخرج حقي، اللهم حل بينه وبين ما يريد من ظلمي. فهذا دعاء في المدافعة وهي اقل منازل السوء. وقال ابن عباس وغيره: المباح لمن ظلم أن يدعو على من ظلمه وان صبر فهو خير له، فهذا اطلاق من نوع الدعاء على الظالم. وقال ايضا هو والسدي لا بأس لمن ظلم أن ينتصر ممن ظلمه بمثل ظلمه يفعل او قول فاجهروا له بالسوء من القول في معنى النهي عن فعله والتوبيخ له والرد عليه.
وأكد د. المهيني ان الشريعة اجازت بالجهر بالسوء من القول للمظلوم بذكر المظلمة التي ظلم بها او بالدعاء على ظالمه حتي تجعل الظالم تحت وطأة الضغط الاجتماعي والاعلامي الى ان يرتدع ويرجع للمظلوم حقه الذي سلب منه، مشيرا ان الجهر بالسوء في الآية استثناء لأن الأصل هو إقامة العدل بين الناس فلا يلجأ الى الاستثناء الا اذا لم يتم العمل بالاصل والله أعلم.
العفو أعظم أجراً
ويؤكد الشيخ سعد الشمري ان من الاشياء التي قبحها الله وبشعها وأخبر انه لا يحبها ولا يرضاها من عباده ما جاء في قوله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول) لأنه يعزز الفرقة ويثير المشاجرات والسجالات التي تؤدي الى مفاسد عظيمة من الشتم والسباب والقذف والغيبة والنميمة والكذب والبهتان ونعوت السوء وألقاب السوء والسخرية بالناس والاستهزاء بهم واحتقارهم ونحو ذلك من الاقوال السيئة التي يجهر بها من رق دينه وضعف ايمانه وقل حياؤه، فأهل الدين والإيمان واصحاب المروءات يأنفون منها ويترفعون عنها ويرحمون الخلق ويتكامنون للحق ويحسبون لأنفسهم ومع ذلك فقد جعل الله تعالى للمظلوم متنفسا ولصاحب الحق قولا بقوله لأنه لو كتمه في صدره لضاق صدره وأظلم قلبه وظن انه قد غلب فيأتيه الفرج من الله بهذه الشريعة السمحة ليقول: «فلان ظلمني، أو فلان لم يعطني حقي، أو فلان حال بيني وبين حقي» من غير ان يفجر في الخصومة ولا يتجاوز في ذكر مظلمته، ولا يعتدي في حقه فلو قيل له: لعنك الله.. فقال له: أنت لعنك الله لكان هذا هو العدل الذي اباحه الله له كما في قوله: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتهم به) وإن كان العفو عنه والصبر عليه اعظم اجرا وخيرا، «ولئن صبرتم لهو خير للصابرين» فالمقصود ان الجهر بالسوء وقبيح الكلام ليس مما يحسن بل هو مما يسوء الا من وقع عليه الظلم فله ان يذكر مظلمته. نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن استقامت ألسنتهم وأحوالهم ونعوذ بالله أن نظلم أو نُظلم.