رأى العالم قبل أيام قليلة أبرز شخصية رياضية على الإطلاق وهو يتوج بأغلى جائزة رياضية في العالم، والمفارقة أن ذلك كان على أرض عربية خليجية نظمت أفضل نسخة من كأس عالم في تاريخ البطولة بشهادة الجميع، ولم تنس قطر حاضنة الكأس والكرنفال أن تلبس ميسي بطل العالم أبهى عباءة تدل على الوجاهة عند العرب وكرم العطاء.. البشت.
ربما انتهت هناك قصة اللاعب الأسطورة الذي ظفر بكأس العالم أخيرا وأضاف نجمة ثالثة على قميص المنتخب الأرجنتيني مخلدا اسمه، ولكن بدأت هنا قصة الدولة التي بدأت حكايتها في العالم مع هذا التنظيم، اليوم تولد قطر جديدة أمام العالم، يعرفها العالم بكل تفاصيلها وأخلاق أهلها وصفات شعبها وحكامها، وقد سبقت هذه الولادة مراحل كبيرة من المخاض الشديد الذي تمثل في الفوز بملف الاستضافة، وبعدها بإنشاء مدن جديدة تكاد تكون قطر موازية لتلك التي عرفناها من قبل، لقد أولت الدولة قيادتها للشباب في تلك اللحظة، بداية من رأس الهرم أميرها صاحب السمو الشيخ تميم، ثم بقيادات شابة تحته يشيدون مسيرة البناء التي رأينا آثارها، فلا أزمة مرورية خلال المونديال الذي استقبل أكثر من مليون وأربعمائة ألف مشاهد على المدرجات وخارجها، إنها ليست قصة أسطورية بل واقع شاهده العالم كله، في بلاد العرب من لا يعرف المستحيل.
لقد نشرت قطر الصغيرة حجما ثقافتها إلى العالم كله في فترة قصيرة، نعم هذه الدولة تمتلك المال، وكم من دولة تمتلك ربما أكثر منها ولم يفعلوا ما فعلت بذكاء وحكمة، لقد أسست أرضية صلبة احتضنت العالم بكل اختلافاته، ويمكنها أن تكون جزءا فاعلا في المشهد العالمي ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا بسهولة الآن، لأنها أعلنت عن نفسها بأكثر وسيلة ذات جاذبية بين الجماهير.
هل من المعقول أن تسمع اليوم قياديا في قطر يقول عن أي مشروع في الدولة أنه يستحيل تحقيقه؟ طبعا لا، لأن ثقافة قهر المصاعب والمستحيلات قد ترسخت عندهم من اليوم، بل من اليوم الذي قدموا فيه طلب استضافة المونديال، هكذا تخطو الدول نحو الارتقاء بمفاصلها دون اعتبار لماضيها وفشل بعض مراحله.
نحن في الكويت يجب أن نكون على أهبة الاستعداد لعهد جديد، إذا قال فيه أي مسؤول وقيادي في الدولة: هذا مستحيل، أو لا أستطيع، عليه أن يرحل.
فالإنجازات تحدث عندما يكون المسؤول عنها رجالا ونساء أكفاء على قدر المكان والمنصب، علما وإخلاصا وتجربة وطاقة، يمكننا في الكويت أن نرتدي عباءتنا في مواجهة العالم إذا طبقنا المعادلة بالشكل الصحيح، فالعالم رآنا ونحن تحت الاحتلال لم يعرفنا قبلها، ورآنا ننهض بعده ببطء شديد ورأى دول الخليج حولنا تقفز قفزا في التنمية والتطوير، فهل يمكننا اللحاق بالركب أم نرضى بأقل من ذلك ونقبل بوضعنا على هامش البحر.. نتابع؟