قضايا حقوق الإنسان في عالمنا المعاصر تمتاز عن غيرها بفاعلية واسعة النطاق واهتمام ومتابعة يومية.
ودائما ما يطرح في وسائل الإعلام والدوائر السياسية أن هناك نوعا من التنافر والاختلاف وعدم التجانس بين القيم والمبادئ الدينية الإسلامية خاصة، وبين الممارسة الواقعية لحقوق الإنسان في بلاد المسلمين، ورغم صحة ذلك جزئيا في بعض البلاد إلا أن القيم والمبادئ العليا تظل بمنأى عن أي ممارسة إنسانية مهما شابتها النواقص والمثالب.
إن اليوم العالمي لحقوق الإنسان هو أحد أشكال اختطاف الغرب لهذا العنوان الإنساني العام، وهناك محاولات مستمرة لإظهاره وكأنه استحقاق غربي أو أوروبي ولكن تاريخ الغرب عامة وأوروبا خاصة يفضح زيف هذه الادعاءات والمحاولات، ومع هذا فإننا لا ننكر أن هناك قبولا واحتراما لحقوق الإنسان في العالم الغربي أكثر من العالم الشرقي، إلا أن المقاصد والنيات تكشف أمورا جديرة بالاهتمام، فالأمر ليس ورديا وليس كما يبدو لبعض السذج.
ومن غير المقبول استمرار وجود التعالي الغربي الذي يتاجر بشعارات حقوق الإنسان ويتغاضى عن عولمته المتوحشة وممارساته اللاأخلاقية على حساب شعوب العالم وثقافاتها.
إننا نشهد اليوم هتكا للحرية الإنسانية باسم الحرية الإنسانية ذاتها، وذلك لصالح أجندات الهيمنة والتسلط التي تصر تارة على شرعنة الشذوذ الجنسي وفرض قبوله في مجتمعات لا ترتضيه، وتارة أخرى تصر على ترويج أكاذيب الصهاينة وفرض قبول المجتمعات لها تحت شعار السلام، وتارة ثالثة تشجع على ممارسات وأفكار متطرفة من قبيل الشعبوية واليمينية وتتغاضى عن الجرائم التي ترتكب وذلك باسم المحبة والدفاع عن النفس.
إن الحقيقة التي لن تغيب مهما فعل هؤلاء هي أن الإنسان السوي هو المستهدف الذي يراد تدميره، لذا فإنه من الأهمية بمكان تكريس الحضور الأخلاقي والمعرفي الحضاري في حياتنا، وهذا لا يتحقق إلا من خلال تطوير وتحسين الداخل الاجتماعي والسياسي في بلداننا بما يمثل الخصوصية الثقافية المتعددة في مجتمعاتنا، ولعل هذا هو أهم ما ينبغي أن ينشغل به أصحاب الفكر والعلم والمعرفة في حواضرنا اليوم.
لقد أصدر وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي في عام 1990 ميثاقا أطلق عليه اسم «إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام» وقد كان هذا الإعلان أول مبادرة معاصرة من قبل الدول الإسلامية لتقديم رؤية عالمية إسلامية معاصرة تعنى بحقوق الإنسان، إلا أنها للأسف مازالت حبرا على ورق ولم ترق إلى مستوى الإنجاز والفاعلية لتكون ندا حقيقيا للنموذج الغربي ولتحمي من موجات العولمة الغربية المتصاعدة والقوية والتي مازالت تتسبب في حالة لا توازن في العالم في كل لحظة.
لذا ينبغي أن نبدأ بتغيير الواقع والتركيز على العمل وألا ننشغل بالمعارك الإلهائية التي لا تزيدنا إلا تخلفا ويجب أن ننطلق بقوة نحو تثبيت حقوق الإنسان على واقعنا من خلال حراك مجتمعي فكري يقوم على مبادئ الحق والعدالة والمساواة، فإن حقوق الإنسان يجب أن تنطلق من معيارية أخلاقية تحترم التعددية الأخلاقية والدينية والاجتماعية والعرقية والسياسية وتشمل حق تقرير المصير والحق في الحرية والتسامح والتعددية والكرامة، لأن الخير كله في صدق العمل ونية التطوير، أما الاختباء بين الصخور فإنه «يجعلنا نعيش أبد الدهر بين الحفر» كما قال الشابي، رحمه الله.