- الشطي: «غراس» هو الآلية الوطنية للوقاية والتوعية بمخاطر الآفات السيئة ومنها المخدرات
- السويلم: يجب تقوية الوازع الديني للشباب وشغل فراغهم بأمور مفيدة تبعدهم عن هذه الآفة
- العتيبي: يجب إنشاء مركز متخصص في علاج الإدمان وتغليظ العقوبات ليكون تجارها عبرة
- العسلاوي: لا بد من خطة علمية منهجية وطنية مستدامة على كل الأصعدة لمواجهة هذه الآفة
آلاء خليفة
المتابع لمشكلة تعاطي المخدرات على الصعيد العالمي يجد أنها أصبحت من كبرى المعضلات التي تعاني منها مختلف دول العالم وشعوبها، فخطورتها أصبحت ماثلة أمام جميع الدول، ما دفعها إلى العمل على محاربة هذه الآفة عبر اتفاقيات وبروتوكولات ومعاهدات مشتركة، لاسيما بعد أن صارت هذه الآفة معضلة تقض مضاجع الجميع في السنوات الأخيرة، ليس فقط لما هو معروف عن أضرارها الصحية والاقتصادية والاجتماعية بشكل عام، بل وأيضا لما تسببه من مشاكل أمنية بشكل خاص وارتباطها بالجريمة المنظمة وقضايا الأموال وشبكات الإرهاب عبر العالم، هذا ما أكده عدد من المتخصصين القانونيين والأمنيين والاجتماعيين الذين استعرضوا مع «الأنباء» العوامل التي قد تدفع شخصا ما نحو الانزلاق في هاوية التعاطي، ومنها العوامل الاجتماعية وخاصة ما يتعلق منها بالتفكك الأسري والرقابة الأسرية وطبيعة التربية، فإلى التفاصيل:
بداية، أفاد الرئيس التنفيذي للمشروع الوطني للوقاية من المخدرات (غراس) د.أحمد الشطي لـ «الأنباء»، بأن هناك عوامل متعددة قد تؤدي إلى الإقبال على تعاطى مادة مخدرة بعينها ومن ثم انتشارها ومنها العوامل النفسية المتعلقة بشخصية المتعاطي نفسه، ومدى إيجابية أو سلبية مقاومة الشخص للرغبة في تجريب المواد المخدرة الجدية، فالشخص الإيجابي لديه القدرة على رفض هذه التجربة، بينما الشخص السلبي لا يقاوم الفكرة، ناهيك عن الاتجاه النفسي لدى الشخص السلبي ما يجعله يستمر في تعاطي المادة المخدرة رغم علمه بالأضرار التي قد تسببها له.
وأضاف ان هناك أسبابا وهمية لدى المتعاطي، تجعله يلجأ إلى تجربة المستحدث من المواد المخدرة مثل: رغبته في زيادة التأثير المرغوب من المخدر باستخدام المستجد أو التعاطي المتعدد، والحصول على مزيد من السعادة والنشوة، ومقاومة التعب، وتسكين الآلام، ونسيان المشكلات والهموم.
وقال الشطي: توجد عوامل تتعلق بالمادة المخدرة فطبيعة المادة المخدرة وتأثيرها الفارماكولوجي والفسيولوجي على المتعاطي، قد يكون لها تأثير إدماني أو تأثير لإحداث النشوة أعلى من مواد أخرى، ومن ثم يكون الإقبال عليها أكبر من قبل المتعاطي، كذلك توافر المادة المخدرة وثمنها يؤثر بشكل كبير على الإقبال عليها ونوعية الفئات المستخدمة لها.
ولفت إلى أن القواعد والقوانين المنظمة لتداول المواد المخدرة قد تؤثر بالإيجاب وأحيانا بالسلب في الحد من انتشارها، فمثلا عدم إدراج بعض المواد ضمن جداول قانون المخدرات قد يلفت النظر إليها من قبل المتعاطين فيسعون إلى تجريبها لعدم تجريمها، وهذا من أهم العوامل التي كمنت وراء انتشار كثير من المخدرات الجديدة التي صاحبت إدراجها بالجداول الخاصة بالمخدرات صعوبة تتعلق بتعدد تركيباتها والتغيير المستمر من صانعي هذه المخدرات لهذه التركيبات، ما يجعل هناك صعوبة في إدراج مواد بعينها ضمن هذه الجداول.
قفص الاتهام
وأفاد بأن هناك عوامل مجتمعية تقف وراء انتشار المخدرات منها التفكك الأسرى وكثرة المشكلات في المنزل، الأقران والأصدقاء، كذلك الاقتداء السلبي ببعض الشخصيات سواء داخل الأسرة أو المدرسة أو البيئة المحيطة، وأيضا التناول السلبي للإعلام لظاهرة تعاطي المخدرات وبخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي المستحدثة والذي قد يشجع الشباب على تعاطي المخدرات بدلا من الحد من انتشارها، إضافة إلى المشكلات الموجودة في المجتمع من بطالة ومشكلات اقتصادية واضطرابات سياسية.
وأشار الشطي إلى أنه تظهر الآثار النفسية والاجتماعية على شخص المدمن، فعند قرب أوان جرعة التعاطي وعدم توافر سعرها لديه، قد يلجأ إلى الاستدانة وقبول الرشوة أو الاختلاس والسرقة، مشيرا إلى أن المخدرات تؤدي إلى نتائج سيئة للفرد، سواء بالنسبة لعمله أو إرادته، أو وضعه الاجتماعي وثقة الناس به. كما أن تعاطيها يجعل من الشخص المتعاطي إنسانا كسولا ذا تفكير سطحي، يهمل أداء واجباته ولا يبالي بمسؤولياته وينفعل بسرعة ويكون ذا أمزجه منحرفة في تعامله مع الناس، كما أن المخدرات تدفع الفرد المتعاطي إلى عدم القيام بمهنته ويفتقر إلى الكفاية والحماس والإرادة لتحقيق واجباته مما يدفع المسؤولين عنه بالعمل أو غيرهم إلى طرده من عمله أو تغريمه غرامات مادية تتسبب في اختلال دخله.
وأوضح الشطي أن «غراس» هو الآلية الوطنية للوقاية والتوعية بمخاطر الآفات السيئة، على رأسها المخدرات والجريمة، والمشروع نتاج تحالف وشراكة بين مؤسسات حكومية وأهلية وقطاع خاص التفت إرادتها جميعا على ضرورة تنسيق جهودها لمواجهة آفة المخدرات، ويعتبر «غراس» أول مشروع قيمي تستمر حملاته وأنشطته وفعالياته على مدار 22 عاما، وأول تحالف مجتمعي يطلق شبكة من المشاريع الاتصالية المتخصصة لكل شريحة من شرائح المجتمع، كما يسعى المشروع حاليا إلى حشد وتحفيز الشركاء للنهوض بمسؤولياتهم تجاه مشكلة المخدرات.
غزو موجه
من جهته، ذكر المحامي محمد ذعار العتيبي لـ «الأنباء» أن مشكلة المخدرات أصبحت أزمة العصر بعدما تفاقمت وأصبحت في ازدياد نتيجة غزو موجه للمجتمع بشكل عام وللشباب بشكل خاص فهناك حرب مستهدفة لتدمير الشباب من خلال آفة المخدرات.
وأشاد العتيبي بالجهود المبذولة اليوم من وزارة الداخلية وقطاعات الدولة المختلفة لمحاربة آفة المخدرات، ولكن هناك حاجة لتكثيف تلك الجهود بما فيها الجانب التشريعي، مؤكدا أن القوانين وآلية ضبط المخدرات وعلاج المدمنين يفترض ألا تكون ثابتة لفترات طويلة بل لابد من تحديثها بين الحين والآخر حتى تتواكب مع متغيرات العصر وآلية وطريقة الانتشار.
وطالب العتيبي بإنشاء مركز طبي متخصص في علاج حالات الإدمان مركز مؤهل أسوة بالمراكز الخليجية والعالمية الموجودة حاليا بحيث يتم بشكل سري إيداع الشخص المدمن وعلاجه بشكل دقيق بما يضمن علاج الحالات المستعصية.
كما طالب بإعادة النظر في التشريعات الخاصة بتجريم المخدرات، مؤكدا ضرورة تشديد وتغليظ العقوبات حتى يكون تجار المخدرات عبرة لمن يعتبر.
تنوع المصادر
بدوره، قال أستاذ الخدمة الاجتماعية بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت د.حمد العسلاوي لـ «الأنباء»: مما لا شك فيه أن قضية المخدرات تعتبر آفة العصر نظرا لأضرارها الصحية، النفسية، العقلية، الاجتماعية، والاقتصادية، فهي آفة فتاكة تفتك بالفرد والأسرة والمجتمع، والعالم أجمع متضرر منها ويشترك بنفس المشاكل والهموم التي تخلفها آفة المخدرات.
وقال العسلاوي: بما أن المخدرات من التجارات الثلاث الأولى في العالم «المخدرات، والسلاح، والدعارة» من حيث الترويج والربح، فإن محاربتها تتطلب جهودا جبارة بالقدر نفسه الذي يعادل تكلفة إنتاجها وترويجها، مشيرا إلى أن فئة المتاجرين بها والمتعاطين من ناحية البحث العلمي يعدون من الفئات غير المعروفة في المجتمع ومن الصعب الوصول إليهم لدراستهم والتعرف على خصائصهم، ظروفهم، والعوامل المؤدية للوقوع في متاجرتها وتعاطيها لتجفيف مصادر استيرادها وتمويلها وتوفير التدخل العلاجي اللازم (الطبي، النفسي، والاجتماعي) لمروجيها ومتعاطيها.
وأردف قائلا: تنوعت أنواع ومصادر المخدرات وتم ابتكار أنواع جديدة وتفاوتت أسعارها أيضا وذلك لأهداف خبيثة وهي لسرعة الانتشار والإقبال والربح، وحتى تكون في متناول يد الجميع، الصغير قبل الكبير، والفقير قبل الغني، فأصبحت هناك أنواع كثيرة تناسب ميزانية جميع فئات وطبقات المجتمع. لذا، نحن أمام تجارة متجددة من حيث الأنواع، الأسعار، وطرق الترويج وهذا التجدد السريع يأتي متماشيا مع سرعة وتيرة الحياة ومواكبة تطورها، لذا على الدولة أن تحارب هذه الآفة بنفس سرعة تطورها وأن تحافظ على استدامة محاربتها وإلا أصبحت غير قادرة على الحد منها.
وأشار إلى أن محاربة هذه الآفة ليست مقصورة على وقت أو موسم محدد، بل تحتاج إلى استدامة «ديمومة» وتضافر جميع الجهود المعنية خاصة رجال الداخلية، في فرض سيطرتهم وتمكينهم وتعزيز دورهم.
وشدد العسلاوي على أننا أمام مشكلة خطيرة تستدعي دق ناقوس الخطر واستجابة وخطة علمية، منهجية، وطنية مستدامة على كل الأصعدة، بتوحيد وتضافر جميع الجهود، وتسخير كل الموارد المادية والبشرية في سبيل مواجهة هذه المشكلة، فالمسؤولية مشتركة لمحاربة هذه الآفة الخطيرة، فالدولة تتحمل جزءا والأسرة أيضا عليها تحمل مسؤولية كبيرة.
وقت الفراغ
وذكر أن الدراسات أشارت إلى أن العامل الرئيسي المشترك بين المدمنين هو وقت الفراغ المفرط غير الخاضع للرقابة الأسرية، مشددا على أن محاربة هذه الآفة الخطيرة تتطلب من مجلس الأمة الالتفات لها بقدر كبير يوازي قدر حزن الأسر المنكوبة والأمهات المكلومة بتشريعات جديدة تنتشل الشباب من قعر إدمان المخدرات وتقيهم وتحميهم من مكر تجارها وتفرض عقوبات شديدة رادعة لمروجيها وتبني مراكز علاجية متنوعة ذات مهنية وكفاءة عالية.
دور الوازع الديني
من جهته، قال الداعية الشيخ يوسف السويلم لـ «الأنباء» إن الإيمان يعطي الأمل، والإنسان إذا فقد الأمل فقد الإيمان، لذا فإن أكثر من يتاجر في المخدرات هم من انقطع بهم الأمل، إما أن يكون غنيا قد ملّ وأصبح في حيرة يملك كل شيء لكنه لا يملك الإيمان، فتجده في ملل ويشعر بالأسى فيتجه إلى المخدرات، أو قد يكون إنسانا فقيرا يحتاج إلى مال فيتجه إلى هذا الطريق للغنى الفاحش.
وأوضح أن غياب الوازع الديني هو سبب لتجارة المخدرات وإدمانها، مشيرا إلى أن الوازع الديني يحث الإنسان على الابتعاد عن تلك الأمور المحرمة.
ولفت السويلم إلى أن غياب الصحبة الصالحة أيضا يسهم في زيادة مشكلة المخدرات بسبب أصدقاء السوء، موضحا أن مرافقة رفقاء السوء تزيد المشكلة، «فالصاحب ساحب»، متابعا أن الإنسان عندما يتخلى عن ذكر الله سيهلك، لذا يقولون إن الإنسان في حياته يعيش في همّ وغمّ وحزن، حزن على الماضي والهم من الحاضر والغم من المستقبل، لذا لابد أن نستعين ونستعيذ بالله من تلك الأمور حتى لا يقع في فخ المخدرات.
وأكد السويلم أهمية تضافر جميع الجهود من الأسرة والمدرسة والجامعة والمساجد لتقوية الوازع الديني لدى الشباب مع ضرورة إشغال أوقات فراغهم في أمور مفيدة تبعدهم عن الاتجاه إلى آفة المخدرات.