يفضل عند وضع عنوان لأي مقالة أن يكون مختصرا من وجهة نظري المتواضعة، وإنما عنوان المقالة اسمع مني ولا تسمع عني، فربما أكون بعينك جنة وبعين أحدهم نارا، فتحرقك نار القيل والقال، وهي مقولة للدكتور ابراهيم محمد السيد الفقي، رحمه الله، وقد أصاب كبد الحقيقة وقال ما يجب أن يقال، وهي قاعدة ثابتة لكل من يخاف الله ويرجوه، ويتقي يوم الحساب، فكيف تحكم علي وأنت لا تعرفني؟
أيحكم على المرء من خلال قيل وقال وكلام الناس لا يورد الماء، ما هذه الجاهلية العمياء، وأين أنتم يا هؤلاء من قول المولى عز وجل: (يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم) الحجرات: 12، إن كل باطل تقوله في حق غيرك دون تثبت ستحاسب عليه وكذلك كل نقيصة تقولها بمن لا تعرفه تجدها أمامك، والدليل القاطع على ذلك قول الله تعالى أيضا (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) الإسراء: 36.
فلا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم، ولا ترم أحدا بما ليس لك به علم، فإن الله تعالى سائلك عن ذلك كله، واتفق العلماء على ان المعنى البهت، وهو الكذب والزور والإفك والافتراء، فكيف تتحمل هذا الوزر الثقيل؟ إن من مبادئ الإسلام والعقل والمنطق ألا يحكم المرء على غيره وفق ما يسمع وإنما وفق ما يرى، فليس من أخبر كمن عاين، مصداقا لقول نبي الهدى صلى الله عليه وسلم:«ليس الخبر كالمعاينة»، وما دمت قادرا على أن تسمع مني لمَ تسمع عني؟ وهذا كنحو قول المتنبي:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
وصدق ما يعتاده من توهم
وليس أريح لضمير المرء من حسن الظن، فهو ينم عن سريرة نقية وطيب معدن وحسن خلق، وفي النهاية من قال في الناس قيل فيه ما يعلمون وما لا يعملون، ودمتم سالمين.