حلم بناء مستوطنات قمرية أصبح وشيك الحدوث بالفعل في ظل تصارع وتسابق الوكالات الفضائية العملاقة والمختصة في أبحاث علوم الفضاء من وكالة ناسا الأميركية إلى وكالة الفضاء الروسية والأوروبية والصينية، لتكتمل بذلك قصة الحياة البشرية المرتبطة برحلته في البحث عن موارد الغذاء، فمع ظهور النقص في تلك الموارد، بالإضافة إلى أزمات الطاقة وعدم التماثل الديموغرافي في أنحاء العالم، أصبح التوجه للفضاء الخارجي ضرورة ملحة يفرضها المؤشرات الحيوية المستقبلية، فقد حوت الخطط الاستراتيجية للعديد من الدول بتطلعاتها المستقبلية فكرة الاستحواذ على المصادر الخارجية، لترسل في سبيل ذلك الصواريخ الاستكشافية لتحديد الإحداثيات التي تلبي الطموح بالسيطرة على الفضاء بوضع اليد لتعلن سيادتها على المستوطنات المنشأة التابعة لها، رغم خلو الاتفاقيات الدولية من ثمة نص تشريعي بإقرار حق ملكية أي جزء في الفضاء الخارجي لأي شخص طبيعي أو معنوي واعتباره مشاعا بضوابط المشروعية الدولية بما يحقق السلم والأمن العالمي.
فالقطبان المتنافسان اللذان أنشآ معاهدة الفضاء الخارجي تحت إشراف مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي في ستينيات القرن الماضي هما الأكثر خرقا لبنودها والممثلة في الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفييتي، فلعبة الأصدقاء الأعداء بمن يصل أولا الى القمر، بثت الذعر في نفوس قيادات الدول الأخرى التي عانت من ويلات حروب أثقلت كاهلها واستنزفت مواردها، بما حدا بهم لأن يقروا اتفاقية القمر المنظمة للاستعمالات والأنشطة المقامة على القمر والأجرام السماوية الأخرى، لتحظر بدورها أي اختبار للأسلحة أو الأبحاث العلمية المنفردة سواء من قبل حكومات أو مؤسسات خاصة لضمان السلام العالمي، إلا أن عدم التصديق عليها أفقدها قيمتها لنجد الآن ازدحاما في السباق لتدخل الصين واليابان والهند في هذا المضمار، لتخلق لنا صراعات مرئية على الأرض وأخرى مستترة يتم الإعداد لها في الغبار الكوني.
[email protected]