نؤدي تحية تعظيم وإكبار وإجلال لكل صاحب أحسن الصحبة وصان العشرة وحفظ الود، وأنّا لنا مثل هذا الصاحب في هذا الزمن، لقد كانت للصحبة قيمة عالية، يظهر معناها جليا عند الأزمات، حتى أننا نعرف أخلاق الرجل من صاحبه، فإن كان صالحا عرفنا ذلك وإن كان سيئا عرفنا ذلك أيضا:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن مقتدي
ويقول حكيم: «اصحب من إن صحبته زانك، وإن خدمته صانك، وإن أصابتك خصاصة مانك، وإن رأى منك ثلمة سدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن رأى منك سيئة سترها، وإن سألته أعطاك، وإن تعففت عنه ابتداك، وإن نزلت بك نازلة واساك، وإن عاتبك لم يحرمك، وإن تباعدت عنه لم يرفضك، وإذا قلت صدق قولك، وإن تنازعتما في حق آثرك على نفسه».
هكذا تكون مبادئ وقيم الصحبة، لا كما نسمع ونرى هذه الأيام، لذلك قال الرجل الصالح سفيان الثوري: أقلل من معرفة الناس، وأراد بهذا القول قلة من يستحق الصحبة المبنية على أساس متين، فالصاحب الحق لا يتخلى عن صاحبه، ويكون صافي السريرة كاتما لسره، سمحا رفيقا سهلا مبتسما صادقا مع نفسه ومعي، وبغير ما ذكرت سيكون مصير الصحبة الفشل، هكذا يكون الصاحب هذه الأيام.
وعندما احتضر معاوية بن أبي سفيان أوصى ابنه يزيد بوصايا كثيرة ومما قاله له: إن لي خليلا في المدينة المنورة فاحفظني به، فقال يزيد: ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال: عبدالله بن جعفر الطيار، ومات معاوية وجاء عبدالله إلى دمشق زائرا يزيد، فقال له: كم كانت هديتك أبا جعفر على أبي؟ قال: ألف ألف درهم، قال: قد ضاعفناها لك حفظا لوصية أبي، فقال ابن جعفر: فداك أمي وأبي، فقال: ولهذه جعلناها ثلاثة آلاف ألف درهم (رواه الطبري وابن كثير) ولم يشهد التاريخ الإسلامي مثل صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه، حتى قال عليه أفضل الصلاة والسلام في حقه: إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت وقال أبوبكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي (مرتين).
هذا، ودمتم سالمين.